سر مسحة المرضى :
المرض والالم شكّلا دوما معضلة من أكبر معضلات الحياة لدى الانسان. المرض هو اكثر من خلل عابر ينتاب الصحة. انه حدث يصيب الانسان كله في جسده ونفسه، ويعني الانسان في عمق كيانه. في المرض يختبر الانسان عجزه، وحدوده وزواله. فهو يُنتزع من الحياة الاعتيادية، ويُحكم عليه بالتوقف عن النشاط ، ويختبر الى اي حد حياتنا ليست ملك ايدينا. وهذا يؤدي به الى العزلة والانطراح والهم والقلق ، ومرارا الى اليأس. ومن جهة اخرى يوقظ المرض في الانسان قوى تساعده على النضج ، اذ يحمله على التمييز بعمق اكثر بين ماهو أولي وماهو عابر، وعلى النظر الى القيمة الثابتة. ومع ذلك فالمرض، لكونه تهديدا للحياة ، هو شر يقاومه الانسان غريزيا. والمرض اخيرا ينذر بالموت ويعلن عنه. فحياتنا الارضية التي يضعفها المرض ويهددها، ستُنزع منا نهائيا عن قريب. وبالنظر الى امكانية الموت التي تنتصب امام اعيننا بالمرض بوجه اوضح من اي امر آخر، نختبر عمق هزال الانسان وعمق محدوديته.
الكتاب المقدس يرى في تهديد المرض للانسان دليلا على اننا نعيش في عالم شوهته الخطيئة، ولم يعد بعد الى سيادة الله المطلقة. ومع ذلك يرفض الانجيل ان يرى في مرض الفرد عقابا له عن خطاياه الشخصية. بل يريد الانجيل ان يقول لنا ان الله يريد الحياة. فيرينا يسوع يقاوم المرض ويسيطر عليه (را: متى4: 24، أع10: 38 الخ)، ويرى في شفاء يسوع للامراض علامة على ان ملكوت الله قد بدأ ، وان مجيئه يعني خلاص الانسان كله في جسده ونفسه. يعلن لنا الكتاب المقدس ان الله لايحب الاصحاء وحسب ، بل ايضا المرضى بالذات ، الذين في نظر العالم لا يستطيعون بعد القيام بأي عمل، وهو قريب منهم قرباً خاصاً. ويسوع نفسه، تحقيقاً لكلمات الكتاب المقدس التي وردت في سفر اشعيا، "قد حمل الآمنا واحتمل اوجاعنا" (اش 35: 4) .
ثم ان يسوع، بوصيته "اشفوا المرضى" (را: متى10: 8) قد أوكل الى تلاميذه ايضا اهتمامه بالمرضى. وفي خطابه عن الدينونة، يذكر عيادة المرضى من بين اعمال محبة القريب، التي تُقرر مصير الانسان الابدي، بل يذهب يسوع الى حد انه يتماهى هو نفسه مع المرضى (را:متى36: 25، 43). وقد كان لواجب عيادة المرضى والاعتناء بهم هذا شأن كبير في تاريخ الكنيسة. فمنذ القرون الاولى وفي العصر الوسيط ، عملت الكنيسة على اقتفاء مثال يسوع وتتميم وصيته ، فأنشأت المستشفيات ومآوي العجزة والرهبانيات المختصة بالمرضى، وجمعيات الإحسان ، ومرشديات المرضى الروحية الخ. وفي عنايتها بالمرضى لم تجد اي تناقض بين الناحية العلاجية الطبية والناحية الروحية ، بل كلتا الناحيتين مرتبطتان احدهما بالاخرى ارتباطا حميما. والله انما يريد حياة الانسان كله جسدا ونفساً. ومن ثم فالاطباء وجميع اللذين يكرسون ذواتهم للعناية بالمرضى يقومون ايضا، كل على طريقته، بمهمة عهد فيها الينا يسوع المسيح .
وأفضل وسيلة اسرارية للعناية بالمرضى هي سر مسحة المرضى. وهو يرتكز على موقف يسوع الشامل من المرضى، ويشار اليه في رواية ارسال التلاميذ الاثني عشر: "وأخرجوا شياطين كثيرة، ودهنوا بالزيت مرضى كثيرين وشفوهم " (مر6: 13). وانطلاقا من هذا انتشرت في الجماعات المسيحية الاولى ممارسة مسحة المرضى ، كما تشهد بذلك رسالة القديس يعقوب:
" هل فيكم مريض ؟ فليدعُ كهنة الكنيسة وليصلوا عليه ، ويمسحوه بالزيت بأسم الرب. فإن صلاة الايمان تخلص المريض، والرب يُنهضه، وان كان قد اقترف خطايا تغفر له
" (يع5: 14- 15).
الصلاة من اجل الخلاص من المرض يعود تقليدها الى العهد القديم عينه (را: مز6، 22، 28، 38 الخ) . ويسوع نفسه قبل الآمه صلى الى ابيه (را: مر14: 36إز، عب5: 7) . وكذلك علّم تلاميذه ان يصلوا في كل حاجاتهم بثقة الاطفال، وعداً اياهم بيقين الاستجابة. ومن ثم فعندما تصلي الكنيسة باسم يسوع المسيح بواسطة ممثليها في كهنوت الخدمة، يمكنها ان تكون على يقين خاص بأن صلاتها تُستجاب. وحركة وضع اليد الرمزية قد استخدمها يسوع نفسه مع المرضى (را: مر6: 5، متى8: 3،لو4: 40). وعهد فيها ايضا الى تلاميذه
(را: مر16: 18)، وهؤلاء استخدموها بدورهم (را: أع9: 12، 17، 82: 8). وضع اليد يمكن ان يكون له في ذاته معانٍ كثيرة. أما في هذا السياق، فبفعل كونه بادرة انسانية والتفاتة مسيحية وعلامة مشاركة وتعزية وتشجيع ، هو عمل بركة يصف الخلاص الذي يمنحه السر. وكذلك المسحة بالزيت يمكن ان يكون لها في ذاتها معانٍ كثيرة. وفي صدد مانحن فيه، من الاهمية. بمكان ان يكون الزيت في العهد القديم وسيلة منتشرة انتشاراً واسعاً للعلاج والشفاء ، ولايزال هذا حتى في أيامنا، يسوع نفسه، بقدر ما يمكننا ان نستخلص من الاناجيل، لم يستعمل المسحة بالزيت، بيد انه استخدم في بعض الاحيان رمزاً آخر، اذ وضع على المرضى بعضا من ريقه (را: مر7: 32-33، 8: 23، يو9: 6). ولكن تلاميذ يسوع يسوع استخدموا مسح المرضى بالزيت ، وذلك منذ حياتهم مع يسوع (را: مر6: 13). وعندما تبنت الجماعات الكنسية الاولى هذا الاستعمال، لم يكن قصدها اللجوء الى وسيلة عجيبة تعمل بوجهٍ سحري. فالمسحة بالزيت تقترن بالصلاة باسم الرب ، وبذلك تدل بوجهٍ رمزي على خلاص المريض وانهاضه من قبل الله .
المقصود بلفظتي الخلاص والانهاض في هذا النص الخلاص في معناه الشامل للانسان كله في وحدة جسده ونفسه. ومن ثم فعلى الكنيسة ان تطلب ايضا خلاص المريض في جسده. ثمة بُعد آخرمن أبعاد هذا الخلاص الشامل في وحدة الجسد والنفس ، وهو مغفرة الخطايا، فالخطيئة تعني الابتعاد عن الله الذي هو خلاص الانسان النهائي. اما القول ان الكهنة هم الذين يُدعون الى جانب المريض للقيام بالصلاة ووضع اليد والمسحة فيدل على ان المريض لا يُعزل عن المجموعة، بل يرتبط بالكنيسة ارتباطا أشد، وان الجماعة تلتفت اليه وتصلي من أجله بنوع خاص.
منذ التجديد الليتورجي الذي عقب المجمع ، لم تعد مسحة المرضى بوجه اعتيادي جزءاً من (الزاد الاخير ) للمشرفين على الموت ، بل أُدرجت في سياق عيادة المرضى بحسب روح الانجيل، والعناية الروحية بالمرضى. والذين يعطون هذا السر هم المؤمنون الذين يوجدون، بسبب مرض ثقيل، او الضعف الناتج عن الشيخوخة، في وضع صحي يبدأ بتهديد حياتهم . ويمكن اعادة منح السر، كلما وصل المريض، بعد تقبله مسحة المرضى، الى نهاية قواه، أو اذا ساء وضعه من جديد في حال استمرار المرض عينه. والسر عينه يُعطى في اطار احتفال ليتورجي يتضمن: الافتتاح، خدمة الكلمة، خدمة السر. وخدمة السر تطابق في رتبتها الليتورجية ما ورد في رسالة القديس يعقوب. فتبدأ بوضع يد الكاهن بصمت ، ثم تلي صلاة تسبيح لله من اجل الزيت المقدس تعود الى القرن الرابع (وفي الحالة الطارئة، يتم تقديس الزيت).
العلامة الاسرارية يثبتها على النحو التالي الدستور الرسولي للبابا بولس السادس:
" يُمنح سر التوبة للذين يبدأ وضعهم الصحي بالتدهور. فيمسحون على جبينهم ويديهم بالزيت الذي قُدس وفاقا للقانون. وتتلى مرة واحدة الكلمات الآتية: " ليؤازرك الرب بهذه المسحة المقدسة في رحمته الغنية، وليقف الى جانبك بقدرة روحه القدوس. وليخلصك الرب محررا إياك من خطاياك ومنهضاً إياك بنعمته".
المسحة المزدوجة على الجبين وعلى اليدين تدل على ان السر يعمل في الانسان المريض في كامل كيانه على انه شخص يفكر ويعمل. نعمة السر تعبر عنها تعبيرا ملائما المسحة بالزيت، اذ ان مسحة الزيت هي، بحسب الكتاب المقدس عينه ، رمز لمسحة الروح القدس. فيسوع المسيح هو الممسوح بالروح القدس، هو المسيح بالمطلق. ومن ثم فالمفعول الخاص بالسر يكمن في مؤازرة الرب بقدرة الروح القدس (را: دنتسنغر 1695- 1696). فالروح القدس هو حقا الذي يشفي المنكسرين من أبناء الخليقة القديمة، ويقدسهم، ويبعث الخليقة الجديدة . وهذا يتضمن شفاء النفس ، واذا ارتضى الرب شفاء الجسد ايضا (را: دنتسنغر 1325)، وكذلك ان كان ذلك ضروريا ووجدت الندامة المقتضاة ، مغفرة الخطايا والمسامحة بعقوبات الخطيئة ، وإنهاض نفس المريض وتشديدها بالثقة في الرحمة الالهية (را: دنتسنغر 1696). ومن ثم فبالمسحة والصلاة، تشفع الكنيسة بالمريض لدى الرب المتألم والممجد، لينهضه ويخلصه، وتحث المريض " على الاسهام، بالاشتراك التلقائي في الآم المسيح وموته، في ما يعود على شعب الله بالخير " (ك11). وهكذا فما بدأته المعمودية يوصله سر مسحة المرضى الى كماله: التمثل بموت الرب وقيامته. انه اكتمال توبة الحياة المسيحية وعربون الحياة الجديدة (را: دنتسنغر 1694).
جميع الاسرار التي تمت معالجتها حتى الان تُعطى لجميع المسيحيين لخلاصهم الشخصي وبنيان الكنيسة. ثمة سران آخران، سر الكهنوت وسر الزواج، لايخدمان اولا الخلاص الشخصي بل خلاص الاخرين. فهما يمنحان مهمة خاصة في الكنيسة، وهما في خدمة بنيان شعب الله على صعيد الطبيعة وعلى صعيد النعمة. وهما علامتا خلاص للفرد، بفعل كونهما يمنحان من ينالهما النعمة الضرورية لإتمام رسالته الخاصة.
المرض والالم شكّلا دوما معضلة من أكبر معضلات الحياة لدى الانسان. المرض هو اكثر من خلل عابر ينتاب الصحة. انه حدث يصيب الانسان كله في جسده ونفسه، ويعني الانسان في عمق كيانه. في المرض يختبر الانسان عجزه، وحدوده وزواله. فهو يُنتزع من الحياة الاعتيادية، ويُحكم عليه بالتوقف عن النشاط ، ويختبر الى اي حد حياتنا ليست ملك ايدينا. وهذا يؤدي به الى العزلة والانطراح والهم والقلق ، ومرارا الى اليأس. ومن جهة اخرى يوقظ المرض في الانسان قوى تساعده على النضج ، اذ يحمله على التمييز بعمق اكثر بين ماهو أولي وماهو عابر، وعلى النظر الى القيمة الثابتة. ومع ذلك فالمرض، لكونه تهديدا للحياة ، هو شر يقاومه الانسان غريزيا. والمرض اخيرا ينذر بالموت ويعلن عنه. فحياتنا الارضية التي يضعفها المرض ويهددها، ستُنزع منا نهائيا عن قريب. وبالنظر الى امكانية الموت التي تنتصب امام اعيننا بالمرض بوجه اوضح من اي امر آخر، نختبر عمق هزال الانسان وعمق محدوديته.
الكتاب المقدس يرى في تهديد المرض للانسان دليلا على اننا نعيش في عالم شوهته الخطيئة، ولم يعد بعد الى سيادة الله المطلقة. ومع ذلك يرفض الانجيل ان يرى في مرض الفرد عقابا له عن خطاياه الشخصية. بل يريد الانجيل ان يقول لنا ان الله يريد الحياة. فيرينا يسوع يقاوم المرض ويسيطر عليه (را: متى4: 24، أع10: 38 الخ)، ويرى في شفاء يسوع للامراض علامة على ان ملكوت الله قد بدأ ، وان مجيئه يعني خلاص الانسان كله في جسده ونفسه. يعلن لنا الكتاب المقدس ان الله لايحب الاصحاء وحسب ، بل ايضا المرضى بالذات ، الذين في نظر العالم لا يستطيعون بعد القيام بأي عمل، وهو قريب منهم قرباً خاصاً. ويسوع نفسه، تحقيقاً لكلمات الكتاب المقدس التي وردت في سفر اشعيا، "قد حمل الآمنا واحتمل اوجاعنا" (اش 35: 4) .
ثم ان يسوع، بوصيته "اشفوا المرضى" (را: متى10: 8) قد أوكل الى تلاميذه ايضا اهتمامه بالمرضى. وفي خطابه عن الدينونة، يذكر عيادة المرضى من بين اعمال محبة القريب، التي تُقرر مصير الانسان الابدي، بل يذهب يسوع الى حد انه يتماهى هو نفسه مع المرضى (را:متى36: 25، 43). وقد كان لواجب عيادة المرضى والاعتناء بهم هذا شأن كبير في تاريخ الكنيسة. فمنذ القرون الاولى وفي العصر الوسيط ، عملت الكنيسة على اقتفاء مثال يسوع وتتميم وصيته ، فأنشأت المستشفيات ومآوي العجزة والرهبانيات المختصة بالمرضى، وجمعيات الإحسان ، ومرشديات المرضى الروحية الخ. وفي عنايتها بالمرضى لم تجد اي تناقض بين الناحية العلاجية الطبية والناحية الروحية ، بل كلتا الناحيتين مرتبطتان احدهما بالاخرى ارتباطا حميما. والله انما يريد حياة الانسان كله جسدا ونفساً. ومن ثم فالاطباء وجميع اللذين يكرسون ذواتهم للعناية بالمرضى يقومون ايضا، كل على طريقته، بمهمة عهد فيها الينا يسوع المسيح .
وأفضل وسيلة اسرارية للعناية بالمرضى هي سر مسحة المرضى. وهو يرتكز على موقف يسوع الشامل من المرضى، ويشار اليه في رواية ارسال التلاميذ الاثني عشر: "وأخرجوا شياطين كثيرة، ودهنوا بالزيت مرضى كثيرين وشفوهم " (مر6: 13). وانطلاقا من هذا انتشرت في الجماعات المسيحية الاولى ممارسة مسحة المرضى ، كما تشهد بذلك رسالة القديس يعقوب:
" هل فيكم مريض ؟ فليدعُ كهنة الكنيسة وليصلوا عليه ، ويمسحوه بالزيت بأسم الرب. فإن صلاة الايمان تخلص المريض، والرب يُنهضه، وان كان قد اقترف خطايا تغفر له
" (يع5: 14- 15).
الصلاة من اجل الخلاص من المرض يعود تقليدها الى العهد القديم عينه (را: مز6، 22، 28، 38 الخ) . ويسوع نفسه قبل الآمه صلى الى ابيه (را: مر14: 36إز، عب5: 7) . وكذلك علّم تلاميذه ان يصلوا في كل حاجاتهم بثقة الاطفال، وعداً اياهم بيقين الاستجابة. ومن ثم فعندما تصلي الكنيسة باسم يسوع المسيح بواسطة ممثليها في كهنوت الخدمة، يمكنها ان تكون على يقين خاص بأن صلاتها تُستجاب. وحركة وضع اليد الرمزية قد استخدمها يسوع نفسه مع المرضى (را: مر6: 5، متى8: 3،لو4: 40). وعهد فيها ايضا الى تلاميذه
(را: مر16: 18)، وهؤلاء استخدموها بدورهم (را: أع9: 12، 17، 82: 8). وضع اليد يمكن ان يكون له في ذاته معانٍ كثيرة. أما في هذا السياق، فبفعل كونه بادرة انسانية والتفاتة مسيحية وعلامة مشاركة وتعزية وتشجيع ، هو عمل بركة يصف الخلاص الذي يمنحه السر. وكذلك المسحة بالزيت يمكن ان يكون لها في ذاتها معانٍ كثيرة. وفي صدد مانحن فيه، من الاهمية. بمكان ان يكون الزيت في العهد القديم وسيلة منتشرة انتشاراً واسعاً للعلاج والشفاء ، ولايزال هذا حتى في أيامنا، يسوع نفسه، بقدر ما يمكننا ان نستخلص من الاناجيل، لم يستعمل المسحة بالزيت، بيد انه استخدم في بعض الاحيان رمزاً آخر، اذ وضع على المرضى بعضا من ريقه (را: مر7: 32-33، 8: 23، يو9: 6). ولكن تلاميذ يسوع يسوع استخدموا مسح المرضى بالزيت ، وذلك منذ حياتهم مع يسوع (را: مر6: 13). وعندما تبنت الجماعات الكنسية الاولى هذا الاستعمال، لم يكن قصدها اللجوء الى وسيلة عجيبة تعمل بوجهٍ سحري. فالمسحة بالزيت تقترن بالصلاة باسم الرب ، وبذلك تدل بوجهٍ رمزي على خلاص المريض وانهاضه من قبل الله .
المقصود بلفظتي الخلاص والانهاض في هذا النص الخلاص في معناه الشامل للانسان كله في وحدة جسده ونفسه. ومن ثم فعلى الكنيسة ان تطلب ايضا خلاص المريض في جسده. ثمة بُعد آخرمن أبعاد هذا الخلاص الشامل في وحدة الجسد والنفس ، وهو مغفرة الخطايا، فالخطيئة تعني الابتعاد عن الله الذي هو خلاص الانسان النهائي. اما القول ان الكهنة هم الذين يُدعون الى جانب المريض للقيام بالصلاة ووضع اليد والمسحة فيدل على ان المريض لا يُعزل عن المجموعة، بل يرتبط بالكنيسة ارتباطا أشد، وان الجماعة تلتفت اليه وتصلي من أجله بنوع خاص.
منذ التجديد الليتورجي الذي عقب المجمع ، لم تعد مسحة المرضى بوجه اعتيادي جزءاً من (الزاد الاخير ) للمشرفين على الموت ، بل أُدرجت في سياق عيادة المرضى بحسب روح الانجيل، والعناية الروحية بالمرضى. والذين يعطون هذا السر هم المؤمنون الذين يوجدون، بسبب مرض ثقيل، او الضعف الناتج عن الشيخوخة، في وضع صحي يبدأ بتهديد حياتهم . ويمكن اعادة منح السر، كلما وصل المريض، بعد تقبله مسحة المرضى، الى نهاية قواه، أو اذا ساء وضعه من جديد في حال استمرار المرض عينه. والسر عينه يُعطى في اطار احتفال ليتورجي يتضمن: الافتتاح، خدمة الكلمة، خدمة السر. وخدمة السر تطابق في رتبتها الليتورجية ما ورد في رسالة القديس يعقوب. فتبدأ بوضع يد الكاهن بصمت ، ثم تلي صلاة تسبيح لله من اجل الزيت المقدس تعود الى القرن الرابع (وفي الحالة الطارئة، يتم تقديس الزيت).
العلامة الاسرارية يثبتها على النحو التالي الدستور الرسولي للبابا بولس السادس:
" يُمنح سر التوبة للذين يبدأ وضعهم الصحي بالتدهور. فيمسحون على جبينهم ويديهم بالزيت الذي قُدس وفاقا للقانون. وتتلى مرة واحدة الكلمات الآتية: " ليؤازرك الرب بهذه المسحة المقدسة في رحمته الغنية، وليقف الى جانبك بقدرة روحه القدوس. وليخلصك الرب محررا إياك من خطاياك ومنهضاً إياك بنعمته".
المسحة المزدوجة على الجبين وعلى اليدين تدل على ان السر يعمل في الانسان المريض في كامل كيانه على انه شخص يفكر ويعمل. نعمة السر تعبر عنها تعبيرا ملائما المسحة بالزيت، اذ ان مسحة الزيت هي، بحسب الكتاب المقدس عينه ، رمز لمسحة الروح القدس. فيسوع المسيح هو الممسوح بالروح القدس، هو المسيح بالمطلق. ومن ثم فالمفعول الخاص بالسر يكمن في مؤازرة الرب بقدرة الروح القدس (را: دنتسنغر 1695- 1696). فالروح القدس هو حقا الذي يشفي المنكسرين من أبناء الخليقة القديمة، ويقدسهم، ويبعث الخليقة الجديدة . وهذا يتضمن شفاء النفس ، واذا ارتضى الرب شفاء الجسد ايضا (را: دنتسنغر 1325)، وكذلك ان كان ذلك ضروريا ووجدت الندامة المقتضاة ، مغفرة الخطايا والمسامحة بعقوبات الخطيئة ، وإنهاض نفس المريض وتشديدها بالثقة في الرحمة الالهية (را: دنتسنغر 1696). ومن ثم فبالمسحة والصلاة، تشفع الكنيسة بالمريض لدى الرب المتألم والممجد، لينهضه ويخلصه، وتحث المريض " على الاسهام، بالاشتراك التلقائي في الآم المسيح وموته، في ما يعود على شعب الله بالخير " (ك11). وهكذا فما بدأته المعمودية يوصله سر مسحة المرضى الى كماله: التمثل بموت الرب وقيامته. انه اكتمال توبة الحياة المسيحية وعربون الحياة الجديدة (را: دنتسنغر 1694).
جميع الاسرار التي تمت معالجتها حتى الان تُعطى لجميع المسيحيين لخلاصهم الشخصي وبنيان الكنيسة. ثمة سران آخران، سر الكهنوت وسر الزواج، لايخدمان اولا الخلاص الشخصي بل خلاص الاخرين. فهما يمنحان مهمة خاصة في الكنيسة، وهما في خدمة بنيان شعب الله على صعيد الطبيعة وعلى صعيد النعمة. وهما علامتا خلاص للفرد، بفعل كونهما يمنحان من ينالهما النعمة الضرورية لإتمام رسالته الخاصة.