سر الزواج :
طبيعة الزواج على انه سر من اسرار العهد الجديد
الزواج والاسرة يُعَدّان من اثمن خيرات البشرية. انهما نواة المجتمع البشري: " ان عافية الشخص والمجتمع البشري والمسيحي شديدة التعلق بوضع الجماعة الزوجية والعيلية "
(ك ع47). الا ان الزواج والاسرة يتعرضان في أيامنا- على غرار سائر المؤسسات ولربما ايضا اكثر منها – للتبدلات العميقة والسريعة الشاملة التي يتعرض لها المجتمع والثقافة. ومن ثم تتبدى امامنا، بالنسبة الى الزواج والاسرة اليوم، أضواء وظلال. " فيتبين من جهة وعي اكثر للحرية الشخصية وتنبه اكبر لنوعية العلاقات البشرية في الزواج ، ولمستلزمات كرامة المرأة والأبوّة المسؤولة وتربية الاولاد... ولكن تظهر من جهة اخرى دلائل على تزعزع في القيم الاساسية مثير للقلق: فثمة مفهوم... خاطىء لاستقلال الزوجين احدهما بالنسبة الى الاخر، وإساءة فهم خطيرة لعلاقة السلطة بين الوالدين والاولاد، وثمة ايضا الصعوبات الواقعية التي كثيراً ما تعانيها الاسرة في نقل القيم، وتزايد عدد الطلاقات، وانتشار شر الاجهاض انتشاراً واسعاً... وبروز ذهنية معادية لحبل يخضع لأي قانون " (مجتمع الاسرة6).
في هذه الحالة التي تبعث القلق في ضمير الانسان، من واجب الكنيسة وجميع الذين يعملون في الكرازة الكنسية ان يبينوا قيم الزواج والاسرة الاساسية ليساعدوا بخاصةٍ الشبان الذين هم في بداية طريقهم الى الزواج والاسرة على اكتشاف جمال وعظمة دعوتهم الى الحب والى خدمة الحياة، ويفتحوا لهم هكذا آفاقا جديدة (را: مجتمع الاسرة1)، ومن خلال ثقافةٍ اسرية جديدة ، ان يُشبعوا الثقافة الجديدة الصاعدة بروح الانجيل، ويسهموا في انسانية جديدة (را: مجتمع الاسرة8). لكل هذه الاسباب كثيرا ما اتخذت الكنيسة في الزمن الحديث من مسائل الزواج والاسرة مواقف محددة. نذكر رسالة البابا بيوس الحادي عشر العامة " في الزواج العفيف " (سنة 1930)، ورسالة البابا بولس السادس " في الحياة البشرية " (سنة 1968)، وأقوال المجمع الفاتيكاني الثاني (را:ك ع47-52)، والكتاب الرسولي للبابا يوحنا بولس الثاني " مجتمع الاسرة " (سنة 1981)، الذي أوجز فيه التصريحات السابقة وتوسّع فيها. وثمة أهمية كبيرة على الصعيدين الرعائي والعملي لبيان السينودس الالماني العام : " العيش المسيحي للزواج والاسرة ".
المفهوم المسيحي للزواج والاسرة يرتكز في اساسه على نظام الخلق عينه.فالله ، الذي من فيض محبته دعا الانسان الى الكيان، دعاه في الوقت عينه الى الحب. أجل، الانسان مخلوق على صورة الله ومثاله (را: تك1: 27) ، والله هو نفسه محبة (را:1يو4: 8، 16). " فالمحبة هي اذا الدعوة الاساسية والطبيعية لكل انسان ". لايمكن ان يعيش انسان من دون محبة.
" المحبة تتضمن ايضا جسد الانسان ، فالجسد يشارك في المحبة الروحية... ينتج من هذا ان الجنس ، الذي يهب فيه كل من الرجل والمرأة ذاته للآخر في أفعال حميمة خاصة بالازواج، ليس على الاطلاق عملاً بيولوجياً محضاً، بل هو عمل يتصل بعمق أعماق الشخص البشري بصفة كونه شخصاً بشرياً " ( مجتمع الاسرة11). فالحب بين الرجل والمرأة هو من ثم عنصر من عناصر صورة الله في الانسان ، وهو مثال للمحبة التي بها يحب الله كل انسان محبة لا شرط فيها ولا نهاية. ولذلك ينطبق عليه ايضا قول الله " انه حسن جدا " (تك1: 31).
ان حقيقة الخطيئة قد أثرت على علاقة الرجل والمرأة وعلى فعل نقل الحياة، وأدخلت عليهما التشويش والتغرب (را: تك3: 7، 16). بيد ان الله أدرج الزواج والاسرة في نظام الخلاص. فمنذ العهد القديم يعد العهد بين الرجل والمرأة " صورة ومثالاً " لعهد الله مع البشر
(را:هو1-3، أش54، 62، إر2-3، 31، حز16، 23). وعهد الله هذا مع البشر يتحقق بوجهٍ نهائي وأسمى في يسوع المسيح ، الذي هو في شخصه انسان وإله، والذي فيه قبل الله قبولاً نهائياً كل انسان بمفرده . فهو عريس شعب الله في العهد الجديد (را:مر2: 19) الذي احب الكنيسة عروسه وبذل نفسه لاجلها (را: أف5: 25).
وموقف يسوع من الزواج يعبر عنه بأجلى بيان ماقاله في الطلاق (را:مر10: 2-9إز). هنا يواجه يسوع مسألة كانت موضوع نقاش بين اليهود: هل يحل للرجل ان يُطلق امرأته. لأول وهلة يبدو جواب يسوع تشديداً لشريعة العهد القديم، كأنه بذلك يضع حملاً ثقيلاً على كتفي الانسان. ولكن يسوع في الواقع لايدخل في النقاش الدائر ولا في تفسير شريعة العهد القديم (را: تث24: 1-4). بل يرفع المسألة الى مستوى آخر، فيُذكر بتصميم الله الاصلي في الخلق. لا جرم انه يعرف تصلّب قلب الانسان الذي يعوق تحقيق ارادة الله الخالق. ولكن اليوم وقد بدأت في شخص يسوع الخليقة الجديدة، يصح ثانية تصميم الله في الخلق الاول، بحيث يمكن اليوم ان يُعاش من جديد بوساطة يسوع. ومن ثم فرفض يسوع للطلاق ليس شريعة خارجية عن الانسان يصعب عليه تحقيقها، بل هو التعبير عن العهد الجديد، انه امكانية جديدة توفرها النعمة لإتمام معنى نظام الخلق والخلاص في عمق ابعاده ، وهو الحياة في الحب والامانة. ومن ثم يمكن القول بإيجاز ان الزواج، بحسب كرازة يسوع، هو من صميم نظام الخلق والخلاص معاً.
وبولس الرسول يحث على عقد الزواج " في الرب " (1كو7: 39). وبذلك يُدخِل الزواج في سياق الكيان الجديد " في المسيح "، الكيان المرتكز على المعمودية. ومن ثم فالزواج والاسرة هما في اللوحات العائلية في العهد الجديد مكان الاختبار المسيحي المميز. فسلوك الرجل والمرأة الواقعي يجب ان يتخذ قاعدة له ما أظهره يسوع المسيح من محبة وأمانة وبذل ذات وطاعة (را: كو3: 18-19، 1بط3: 1-7، 1تي2: 8-15، تي2: 1-6).
وأهم لوحة عائلية في هذا السياق نجدها في الرسالة الى الافسسيين، حيث يوصف العهد بين الرجل والمرأة على انه صورة للعهد بين المسيح والكنيسة.
" كونوا خاضعين بعضكم لبعض في مخافة المسيح. فأنتنّ، ايها النساء، اخضعن لرجالكن كما للرب... وانتم، ايها الرجال ، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة وبذل نفسه لاجلها... لذلك يترك الرجل اباه وأمه ويلزم أمرأته، فيصيران كلاهما جسداً واحداً. ان هذا السر لعظيم، أقول هذا بالنسبة الى المسيح والكنيسة " (أف5: 21-22، 25، 31).
لاجرم ان هذا النص يعكس ايضا بعض الملامح من مفهوم الزواج السائد آنذاك ، حيث كانت النساء تخضع للرجال. ولكن النص يتخطى مفهوم الزواج الأبوي الذي كان يقضي بسيطرة الرجل على المرأة . إذ يتكلم ايضا، بخلاف هذا النظام ، على الحب وبذل الذات اللذين يجب ان يتحلى بهما الرجل، وبالتالي على خضوع متبادل. القول الأهم في هذا النص هو ان الحب والامانة بين المسيح والكنيسة ليسا فقط مثالاً للزواج ، أكثر من ذلك فالحب بين الرجل والمرأة في الزواج هو علامة تحقق حضور محبة الله وأمانته اللتين ظهرتا ظهوراً نهائياً في يسوع المسيح ، والحاضرتين حضوراً دائماً في الكنيسة. " وهكذا يصير زواج المعمدين رمزاً حقيقياً للعهد الجديد والابدي الذي عُقد في دم المسيح " (مجتمع الاسرة 13).
ومن ثم فعلامة الزواج الاسرارية هي الفعل الشخصي الحر، " الذي فيه يهب الزوجان احدهما ذاته للآخر، ويتقبل احدهما الآخر " (ك ع48).
لذلك فالعروسان، في نظر اللاهوتيين الغربيين الاكثر تمثيلاً، هما اللذان يمنحان السر احدهما للاخر بإعلان ارادتهما الزواج (قول " نعم "، الرضى ). وتكتمل هذه الارادة عندما يصير الاثنان جسدا واحدا (را: تك2: 24، مر10: 8)، وهذا يشمل كل ميادين الحياة.
الكاهن الذي يحضر الزواج يتقبل بأسم الكنيسة الـ " نعم " التي يعلنها العروسان، ويمنحهما بركة الكنيسة. وبهذا يعبّر عن ان الزواج ليس أمراً خاصاً بالعروسين وحدهما، بل هو علامة علنية لمحبة الله وأمانته. وهذا ما يتضح من قول النبي هوشع 2: 21-22، ان الحق والعدل والمحبة والرحمة والامانة هي من خيرات عهد زواج الله مع شعبه. ومن ثم فالصيغة المدنية،
وبالنسبة الى الكاثوليكيين في الظروف الاعتيادية الصيغة الكنسية، لعقد الزواج، ليست معاملة خارجية ولا مجرد شهادة زواج ولاتدخلاً من قبل الدولة او الكنيسة. فالطابع العلني الذي يتسم به الزواج لا ينزع من أصله الحميم في الحب المباشر والشخصي بين الزوجين، بل بالحري يدل على الحماية والاعتراف والمساندة والشهادة لكلمة " نعم " التي قالها العروسان وللطريق المشتركة التي سوف يسلكانها. ومن جهة أخرى فالزوجان هما كلاهما للآخر ولأولادهما، وللكنيسة جمعاء، شاهدان للخلاص الذي اشتركا فيه اشتراكاً خاصاً بنيلهما السر (رع11). الزواج هو شبه كنيسة بيتية و كنيسة صغيرة (را: ك11). وبالتالي فالزواج والاسرة ليسا صورة ورمزاً لطبيعة الكنيسة وحسب، بل يُسهمان بالحري إسهاماُ مميزاً وفاعلاً في بنيان الكنيسة.
ان العروسين، بقولهما " نعم " الذي به يهب كلاهما الآخر ذاته، ينضمان انضماماً خاصاً الى عهد الله مع البشر. فالله نفسه هو الذي يجمع بينهما (را: مر10: 9) ، بحيث منذ تلك الساعة ينتمي كلاهما للآخر أمام الله وأمام المجتمع البشري وأحدهما أمام الآخر. في هذا الصدد يتكلم التعليم الكنسي على العهد الزوجي على انه صورة للعهد الذي لا يُنقض بين الله والبشر. وهكذا يُخلص عهدهما من سيطرة هواهما الخاص وسيطرة مزاج الكنيسة والمجتمع البشري. ان نعمة سر الزواج تقوم، كما في كل سر، في ثلاثة أمور: فالزوجان، بحبهما وأمانتهما، يحققان حضور محبة الله وامانته اللتين تجلتا في يسوع المسيح ويذكران بهما، ومن جهة ثانية يشتركان فيهما، "ان حبهما الزوجي يرتكز على الحب الالهي، وهو يستمد معالم طريقه وغِناه من قدرة المسيح الخلاصية ومن عمل الكنيسة الخلاصي " (ك ع48). ثم ان الازواج يتمكنون، " بقدرة سر الزواج، من التعاون، في حياتهم الزوجية وفي انجاب الاولاد وتربيتهم، على بلوغ القداسة، ومن ثم، فإن لهم، في وضعهم الحياتي وحالتهم، موهبتهم الخاصة في شعب الله " (را: 1كو7: 7) (ك11). والزواج المسيحي هو أخيراً علامة مسبقة للعرس الذي سوف نحتفل به في كمال الازمنة، أعني لبلوغ الواقع كله سعادته وملء كيانه في محبة الله (را: مر2: 19-20، متى22: 1-14، 25: 1-13 الخ) . ومن ثم فإقامة العرس بابهى ما يمكن من مراسيم الاحتفال ومباهج العيد ليس حاجة انسانية عامة وضرورة اجتماعية وحسب، فمثل هذه البهجة، لكونها احتفالاً مسبقاً بالعرس الاخير وباعثاً على الرجاء، لها أيضا على الصعيد المسيحي معناها العميق .
صفات الزواج الاساسية
الوحدة ، الخصب، الامانة التي لا تنحل
في رتبة الزواج الكنسي يُطلب ثلاث مرات رضى العروسين ، ويجيبان ثلاث مرات بكلمة
" نعم ". بهذه الصيغة الثلاثية يُراد التعبير عن ان الرضى يتضمن في الواقع ثلاثة أبعاد شديدة الاهمية بالنسبة الى صحة الزواج: الرضى بالوحدة، وبالخصب، وبالامانة الزوجية التي لا تنحل.
حب الزوجين ينزع بكامل كيانه الى الوحدة في شركة شخصية تشمل كل ميادين الحياة: "ومن ثم فليسا هما اثنين بعد، بل جسد واحد " (متى19: 6، تك2: 24)، وهما مدعوان الى ان ينموا باستمرار في وحدتهما، من خلال الامانة التي بها يحفظان كل يوم الوعد الذي قطعاه في الزواج. " تتأصل شركة الزواج في الاكتمال الطبيعي بين الرجل والمرأة، وتحيا من ارادة الزوجين الشخصية في ان يشارك كلاهما الآخر حياته كلها: ما يملكه وما هو عليه ". هذه الشركة البشرية تتنقى وتكتمل بالشركة في يسوع المسيح التي يمنحها سر الزواج. وهي تتعمق باستمرار بالصلاة وبالتقرب معاً من المناولة الافخارستية. " مثل هذه الشركة يناقضها تعدد الزوجات: فهو ينكر إنكاراً مباشراً تصميم الله... ويناهض المساواة في الكرامة الشخصية بين الرجل والمرأة، التي يهبها كلاهما الآخر في الزواج في حب كليّ، وبفعل كونه كلياً هو واحد ويُقصي اي حب اخر " (مجتمع الاسرة 19).
وكذلك الخصب فهو عنصر اساسي في الزواج. إذ انه من طبيعة الحب الزوجي عينه ان يكون مُخصباً. فالولد، بفعل كونه ثمرة الحب المشترك، لا يُضاف الى حب الزوجين المتبادل كأنه عنصر خارجي عنه او خاضع لمزاجه، بل هو بالحري تحقيقه واكتماله. والله نفسه قد عهد في خدمة الحياة هذه الى الزوجين منذ الخلق، بل أمرهما بهما: " وباركهم الله وقال لهم: انموا وأكثروا "(تك1: 28). بالانجاب يشارك الزوجان الله في محبته الخالقة، إنهما يعملان مع الله الخالق المحب، وفي الوقت عينه يترجمان محبته. بيد ان خصب الحب الزوجي لا يقتصر على الانجاب، بل يتسع ويغتني بثمار الحياة الخُلقية والروحية والفائقة الطبيعة، التي ينقلها الوالدان لاولادهم بالتربية. الوالدان هم حقاً اول المربين لاولادهم وأفضلهم (را: ك ع50، مجتمع الاسرة 28). في هذا المعنى الشامل تقوم مهمة الزواج والاسرة الاساسية في خدمة الحياة (را: ك ع50، مجتمع الاسرة 29-33). لذا فالمسيحيون المتقدمون في السن ، الذين لايمكنهم بعد لدى عقدهم الزواج ان يرجوا أولاداً، والازواج الذين يُحرمون بركة الاولاد ، يستطيعون هم ايضاً ان يجدوا معنى لزواجهم على الصعيدين الانساني والمسيحي .
هذه الرسالة تنطبق اليوم لاسباب متعددة على وضع اجتماعي وثقافي، يصعب فيه على كثير من الازواج قبول تعليم الكنيسة والاضطلاع به باقتناع، وتحقيقه في واقع حياتهم. والكنيسة على علم بالحالة الشاقة احياناً والمؤلمة احياناً اخرى التي يعانيها الكثير من الازواج ، وبالمصاعب المتنوعة التي يواجهونها على الصعيدين الشخصي والاجتماعي. ولكن، وبالنظر الى الذهنية الراهنة بالذات والتي غالباً ما تقف من الحياة موقف العداء، من واجب الكنيسة ان تقف هي الى جانب الحياة. ان النظام الخُلقي لم تخلقه الكنيسة ولا هو متعلق بهواها، فالله هو الذي اعطاه للانسان، بل أمره به. فيجب من ثم على الوالدين أنفسهم ان يتخذوا هم قرارهم، في الابوة المسؤولة وفي رعاية الله ، بالنسبة الى عدد اولادهم. وفي هذا الامر يجب الا يتصرفوا بحسب هواهم الخاص، بل ينقادوا لضمير توجهه الوصية الالهية وفاقاً لتفسيرها من قبل السلطة التعليمية الكنسية ، والتي بمقتضاها يجب ان يكون الحب الزوجي منفتحاً على الحياة الجديدة. ولابد لهم في هذا الحكم من ان يُدرجوا خيرهم الخاص وخير اولادهم- الذين وُلدوا والذين يُنتظرون ، والعلاقات المادية والروحية، وخير اسرة كلها، وخير الجماعة البشرية والكنسية (را: ك ع50، مجتمع الاسرة 29-33). وبالنظر خصوصاً الى المصاعب المذكورة، تنطبق على الأبوة شريعة المسيرة بالتدرج ، أعني السعي الدائم لتخطي المصاعب القائمة ، وذلك بالسلوك الحسن والصلاة والتقرب المنتظم من الاسرار (را:مجتمع الاسرة 34).
والعنصر الاخير الذي تكوّن منه الحب الزوجي أمانته التي لا تنحل. وهي تنتج من كمال العطاء والقبول المتبادلين بين الزوجين ، فالحب الذي هو أهل لان يدعى كذلك، هو دوماً نهائي، ولايمكن ان يوهب الى حين او على سبيل التجربة. أضف الى ذلك ان خير الاولاد يجعل أمانة الزوجين غير المشروطة والتي لا تنحل امراً ضرورياً. وقد أرادها الله في الخلق نفسه: "ما جمعه الله فلا يفرقّه إنسان " (مر10: 9). أما السبب الاعمق فيكمن في أمانة الله لعهده، وخصوصاً في أمانة المسيح لكنيسته، تلك الامانة التي لا تنحل والتي يمثل سر الزواج علامتها وثمرتها. ولذا فإن عدم انحلالية الزواج يثبت تثبيتاً خاصاً بسر الزواج. واليوم بالذات من أهم واجبات الكنيسة وأشدها إلحاحاً ان تؤكد قيمة الامانة الزوجية وعدم الانحلالية، وللذين يرون الارتباط بإنسان على مدى العمر كله امراً شاقاً بل مستحيلاً، عليها ان تشهد لبشرى محبة الله وامانته لنا اللتين لانهاية لهما، واللتين يشترك فيهما الزوجان بسر الزواج، ومنهما يستمدان العضد والسند، وبذلك تريد الكنيسة ان تعترف بالجهد الذي يقوم به الازواج للحفاظ على الامانة الزوجية، برغم ما يجدون في ذلك من مصاعب كبيرة ، وتقدم لهم العون والتشجيع. ولكن يجب الإقرار ايضا بقيمة شهادة الازواج الذين يتركهم شريكهم ومع ذلك يمتنعون عن عقد ارتباط آخر، معتمدين على قدرة الايمان المسيحي (را: مجتمع الاسرة20).
الزواج المختلط
عدد كبير من الكاثوليكيين المتزوجين يعيشون اليوم في ألمانيا في زواج مختلط. فبسبب التنقل الدائم لأقسام متزايدة من السكان ، لم يعد الزواج المختلط بين مؤمنين من مذاهب مختلفة أمراً استثنائياً في ايامنا، ولقد حصل في العقود الاخيرة تغيير كبير في موقف الكثير من الكاثوليكيين في هذا الموضوع. للزواج المختلط نواح كثيرة لايمكننا معالجتها كلها في هذا السياق. لذا سنقتصر في مايلي على الزواج بين المسيحيين الكاثوليكيين والانجيليين .
اما القرارات بالنسبة الى الزواج مع المسيحيين الارثوذكسيين، فتختلف بعض الشيء، ويجب الاستعلام بشأنها لدى الراعي المختص .
من جهة يمكن ان يكون لاختلاف مذهب الزوجين تاثير مثمر على ايمان الزوجين ، وبالتالي على زواجهما ، اذا حمل كل من الشريكين الى الزواج والاسرة تراثه الكنسي الخاص ، وتعلم كلاهما من الآخر وتمكنا هكذا من تعميق حياتهما المشتركة وإثرائها .
ولكن من جهة اخرى يجب عدم الاستهانة بمصاعب الزواج بين المذاهب المختلفة. وهي تنجم عن الانفصال الذي لايزال قائماً بين الكنائس ويؤلمنا الألم الشديد. فثمة اختلافات شديدة في الايمان، وثمة ايضا أحكام مذهبية مُسبقة، وذهنيات مذهبية مختلفة وأمور غيرها قد ترهق الزواج وتقود في بعض الاحيان الى تغرب الزوجين كلاهما عن الاخر. وتظهر لمصاعب بنوع خاص في مسألة تربية الاولاد والاشتراك في الاحتفالات الدينية. ولايندر ان تلجأ الزوجات المختلفة، بسبب تلك المصاعب، الى حيادية مزعومة، فتستبعد التساؤلات الدينية، مما يؤدي الى تغرب الشريكين وتغرب الاولاد ايضا عن كنيستهم .
الفروقات بين الكنائس المنفصلة تتعلق ايضا بمفهوم الزواج . فهي تعتقد معاً ان الزواج يمثل نظام الله ويقوم في ظل بركته. ولكن فيما تعد الكنيسة الكاثوليكية الزواج أحد الاسرار، يصفه لوتر بأنه " أمر من امور العالم الخارجي ". لم يقصد بذلك القول ان الزواج مسألة دنيوية محض، بل انه لاينتمي الى نظام الخلاص، بل الى نظام الخلق فقط .
على هذا الاساس أنكر لوتر على الكنيسة صلاحيتها في وضع قانون للزواج، أسند عقد الزواج الى السلطة المدنية. ومن ثم فالزواج الصحيح المعقود امام السلطة المدنية هو، في نظر البروتستانتي، زواج صحيح ايضا امام الله والكنيسة، ويكفي ان تقدسه الكنيسة ببركتها. اما بالنسبة الى الكاثوليكي، فالزواج لايكون صحيحاً إلا اذا تم عقده كنسياً، والا فيجب الحصول على إعفاء صريح من " واجب الصيغة " هذا. اما الزواج المدني فلا ينظم، بحسب المفهوم الكاثوليكي، إلا عواقب الزواج المدنية. في هذا الفرق الواقعي يتبين مرة اخرى التحديد المختلف للعلاقة بين الكنيسة والعالم، وبنوع أعمّ المفهوم المختلف للكنيسة .
إنسجاماً مع العلاقات المتبدلة والتقارب المسكوني الحاصل، جُددت سنة 1970 قرارات القانون الكنسي بالنسبة الى الزواج المختلط ، ثم صيغت صياغة جديدة مرة اخرى في مجموعة الحق القانوني الكنسي سنة 1983 (را: ق 1124-1129). فبموجب القانون الكنسي الجديد، لم يعد اختلاف المذاهب كما في السابق مانعاً للزواج ، ولكن لعقد زواج مختلط ، لابد من الحصول على اذن صريح من السلطة الكنسية المختصة.
ويُشترط للحصول على الاذن ان يُعلن الشريك الكاثوليكي استعداده لان يعيش في زواجه كمسيحي كاثوليكي، ويشهد للايمان ويسعى جهده في تعميد اولاده وتربيتهم في الايمان الكاثوليكي. ولكن بما ان تربية الاولاد أمر يهم كلا الوالدين، ولايجوز ان يرغم اي من الشريكين على ان يتصرف بخلاف ضميره، يقوم هذا الالتزام على القيام بما يمكن القيام به ضميرياً في واقع كل حالة.
أما عقد الزواج فيجب ان يتم بحسب الصيغة الكاثوليكية. ولكن إن حالت دون ذلك اسباب باهضة، فإذاك يمكن الاسقف الإعفاء من هذا القانون، ويجب، لصحة الزواج، ان يكون ثمة صيغة علنية للعقد، سواء كانت صيغة مدنية او في كنيسة او جماعة كنسية اخرى. ويجب في الحالات الاعتيادية تفضيل صيغة عقد الزواج الدينية على الصيغة المدنية المحض. واذا رغب العروسان في ان يشارك راعياً الكنيستين في هذا الزواج ، فيجب ما أمكن تحقيق تلك الرغبة. مثل هذا " الزواج الكنسي المشترك " ليس زواجاً مزدوجاً، فالزواج يجري بموجب الصيغة الكاثوليكية او غير الكاثوليكية، وراعي الكنيسة الاخرى يشارك في الصلاة والبركة.
الوضع المسكوني المتحول قد حمل الكنائس في القرن الاخير على عمل رعائي مشترك لمرافقة الزواج في الزواجات والاسر المختلفة. وتقوم مهمة هذا العمل الرعائي في مساعدة الازواج على ان يكون زواجهم صالحاً ، ويتعلموا ان يعيشوا في زواجهم بحسب مستلزمات الايمان المسيحي. وعليه ان يساعدهم ايضا على ان يتحملوا التوتر القائم بين ارتباط كلا الزوجين بالآخر، وارتباط كلاهما بكنيسته. وعليه ان يشجعهم على الحفاظ على ماهو مشترك في الايمان بين الزوجين واحترام ماهو مختلف لدى الشريك الآخر.
هذه الرعاية المشتركة في مرافقة الزواج تفترض جواً من العمل المشترك المتسم بالثقة بين الكنائس ولاسيما بين رعاة الكنيستين في مجالات اخرى ايضا.
بالنسبة الى الاشتراك في الرتب الدينية، يجب تطبيق المبدأ الاساسي التالي: كل من الشريكين يجب ان يتأصل في ايمانه بموجب ضميره، ويبقى عضواً في كنيسته. وهذا يتضمن اشتراك كل واحد في صلوات كنيسته اشتراكاً منتظماً، والتفهم المحب للإفساح في المجال للشريك الآخر للاشتراك في صلوات يوم الاحد في كنيسته الخاصة. ولكن يجب على الشريكين المختلفي المذهب ان يشتركا ايضا معاً في بعض المناسبات في احتفالات كنائسهم الدينية (را: السينودس الالماني العام: عمل الكنائس الرعائي المشترك في خدمة الوحدة المسيحية 7).
ان حقيقة الخلق لا تصير بوجهً مباشر علامةً اسرارية للخلاص في أي سر آخر كما تصيره في الزواج. ولكنها ايضا لاتؤدي في اي سر آخر كما في الزواج الى مثل هذا التداخل والتوتر بين العالم العتيق المضلل بالخطيئة والعالم الجديد الذي ظهر في يسوع المسيح. والاوضاع الرعائية الشاقة التي تكلمنا عليها هي دلائل على هذا التشابك الذي يصعب فكّه في الحالات المنفردة.
ومن ثم فان سر الزواج يشير، من وراء الزمن الحاضر الواقع بين مجيء يسوع المسيح في الاتضاع ومجيئة الثاني في المجد، الى مائدة العرس السماوية والى حياة الدهر الآتي .
طبيعة الزواج على انه سر من اسرار العهد الجديد
الزواج والاسرة يُعَدّان من اثمن خيرات البشرية. انهما نواة المجتمع البشري: " ان عافية الشخص والمجتمع البشري والمسيحي شديدة التعلق بوضع الجماعة الزوجية والعيلية "
(ك ع47). الا ان الزواج والاسرة يتعرضان في أيامنا- على غرار سائر المؤسسات ولربما ايضا اكثر منها – للتبدلات العميقة والسريعة الشاملة التي يتعرض لها المجتمع والثقافة. ومن ثم تتبدى امامنا، بالنسبة الى الزواج والاسرة اليوم، أضواء وظلال. " فيتبين من جهة وعي اكثر للحرية الشخصية وتنبه اكبر لنوعية العلاقات البشرية في الزواج ، ولمستلزمات كرامة المرأة والأبوّة المسؤولة وتربية الاولاد... ولكن تظهر من جهة اخرى دلائل على تزعزع في القيم الاساسية مثير للقلق: فثمة مفهوم... خاطىء لاستقلال الزوجين احدهما بالنسبة الى الاخر، وإساءة فهم خطيرة لعلاقة السلطة بين الوالدين والاولاد، وثمة ايضا الصعوبات الواقعية التي كثيراً ما تعانيها الاسرة في نقل القيم، وتزايد عدد الطلاقات، وانتشار شر الاجهاض انتشاراً واسعاً... وبروز ذهنية معادية لحبل يخضع لأي قانون " (مجتمع الاسرة6).
في هذه الحالة التي تبعث القلق في ضمير الانسان، من واجب الكنيسة وجميع الذين يعملون في الكرازة الكنسية ان يبينوا قيم الزواج والاسرة الاساسية ليساعدوا بخاصةٍ الشبان الذين هم في بداية طريقهم الى الزواج والاسرة على اكتشاف جمال وعظمة دعوتهم الى الحب والى خدمة الحياة، ويفتحوا لهم هكذا آفاقا جديدة (را: مجتمع الاسرة1)، ومن خلال ثقافةٍ اسرية جديدة ، ان يُشبعوا الثقافة الجديدة الصاعدة بروح الانجيل، ويسهموا في انسانية جديدة (را: مجتمع الاسرة8). لكل هذه الاسباب كثيرا ما اتخذت الكنيسة في الزمن الحديث من مسائل الزواج والاسرة مواقف محددة. نذكر رسالة البابا بيوس الحادي عشر العامة " في الزواج العفيف " (سنة 1930)، ورسالة البابا بولس السادس " في الحياة البشرية " (سنة 1968)، وأقوال المجمع الفاتيكاني الثاني (را:ك ع47-52)، والكتاب الرسولي للبابا يوحنا بولس الثاني " مجتمع الاسرة " (سنة 1981)، الذي أوجز فيه التصريحات السابقة وتوسّع فيها. وثمة أهمية كبيرة على الصعيدين الرعائي والعملي لبيان السينودس الالماني العام : " العيش المسيحي للزواج والاسرة ".
المفهوم المسيحي للزواج والاسرة يرتكز في اساسه على نظام الخلق عينه.فالله ، الذي من فيض محبته دعا الانسان الى الكيان، دعاه في الوقت عينه الى الحب. أجل، الانسان مخلوق على صورة الله ومثاله (را: تك1: 27) ، والله هو نفسه محبة (را:1يو4: 8، 16). " فالمحبة هي اذا الدعوة الاساسية والطبيعية لكل انسان ". لايمكن ان يعيش انسان من دون محبة.
" المحبة تتضمن ايضا جسد الانسان ، فالجسد يشارك في المحبة الروحية... ينتج من هذا ان الجنس ، الذي يهب فيه كل من الرجل والمرأة ذاته للآخر في أفعال حميمة خاصة بالازواج، ليس على الاطلاق عملاً بيولوجياً محضاً، بل هو عمل يتصل بعمق أعماق الشخص البشري بصفة كونه شخصاً بشرياً " ( مجتمع الاسرة11). فالحب بين الرجل والمرأة هو من ثم عنصر من عناصر صورة الله في الانسان ، وهو مثال للمحبة التي بها يحب الله كل انسان محبة لا شرط فيها ولا نهاية. ولذلك ينطبق عليه ايضا قول الله " انه حسن جدا " (تك1: 31).
ان حقيقة الخطيئة قد أثرت على علاقة الرجل والمرأة وعلى فعل نقل الحياة، وأدخلت عليهما التشويش والتغرب (را: تك3: 7، 16). بيد ان الله أدرج الزواج والاسرة في نظام الخلاص. فمنذ العهد القديم يعد العهد بين الرجل والمرأة " صورة ومثالاً " لعهد الله مع البشر
(را:هو1-3، أش54، 62، إر2-3، 31، حز16، 23). وعهد الله هذا مع البشر يتحقق بوجهٍ نهائي وأسمى في يسوع المسيح ، الذي هو في شخصه انسان وإله، والذي فيه قبل الله قبولاً نهائياً كل انسان بمفرده . فهو عريس شعب الله في العهد الجديد (را:مر2: 19) الذي احب الكنيسة عروسه وبذل نفسه لاجلها (را: أف5: 25).
وموقف يسوع من الزواج يعبر عنه بأجلى بيان ماقاله في الطلاق (را:مر10: 2-9إز). هنا يواجه يسوع مسألة كانت موضوع نقاش بين اليهود: هل يحل للرجل ان يُطلق امرأته. لأول وهلة يبدو جواب يسوع تشديداً لشريعة العهد القديم، كأنه بذلك يضع حملاً ثقيلاً على كتفي الانسان. ولكن يسوع في الواقع لايدخل في النقاش الدائر ولا في تفسير شريعة العهد القديم (را: تث24: 1-4). بل يرفع المسألة الى مستوى آخر، فيُذكر بتصميم الله الاصلي في الخلق. لا جرم انه يعرف تصلّب قلب الانسان الذي يعوق تحقيق ارادة الله الخالق. ولكن اليوم وقد بدأت في شخص يسوع الخليقة الجديدة، يصح ثانية تصميم الله في الخلق الاول، بحيث يمكن اليوم ان يُعاش من جديد بوساطة يسوع. ومن ثم فرفض يسوع للطلاق ليس شريعة خارجية عن الانسان يصعب عليه تحقيقها، بل هو التعبير عن العهد الجديد، انه امكانية جديدة توفرها النعمة لإتمام معنى نظام الخلق والخلاص في عمق ابعاده ، وهو الحياة في الحب والامانة. ومن ثم يمكن القول بإيجاز ان الزواج، بحسب كرازة يسوع، هو من صميم نظام الخلق والخلاص معاً.
وبولس الرسول يحث على عقد الزواج " في الرب " (1كو7: 39). وبذلك يُدخِل الزواج في سياق الكيان الجديد " في المسيح "، الكيان المرتكز على المعمودية. ومن ثم فالزواج والاسرة هما في اللوحات العائلية في العهد الجديد مكان الاختبار المسيحي المميز. فسلوك الرجل والمرأة الواقعي يجب ان يتخذ قاعدة له ما أظهره يسوع المسيح من محبة وأمانة وبذل ذات وطاعة (را: كو3: 18-19، 1بط3: 1-7، 1تي2: 8-15، تي2: 1-6).
وأهم لوحة عائلية في هذا السياق نجدها في الرسالة الى الافسسيين، حيث يوصف العهد بين الرجل والمرأة على انه صورة للعهد بين المسيح والكنيسة.
" كونوا خاضعين بعضكم لبعض في مخافة المسيح. فأنتنّ، ايها النساء، اخضعن لرجالكن كما للرب... وانتم، ايها الرجال ، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة وبذل نفسه لاجلها... لذلك يترك الرجل اباه وأمه ويلزم أمرأته، فيصيران كلاهما جسداً واحداً. ان هذا السر لعظيم، أقول هذا بالنسبة الى المسيح والكنيسة " (أف5: 21-22، 25، 31).
لاجرم ان هذا النص يعكس ايضا بعض الملامح من مفهوم الزواج السائد آنذاك ، حيث كانت النساء تخضع للرجال. ولكن النص يتخطى مفهوم الزواج الأبوي الذي كان يقضي بسيطرة الرجل على المرأة . إذ يتكلم ايضا، بخلاف هذا النظام ، على الحب وبذل الذات اللذين يجب ان يتحلى بهما الرجل، وبالتالي على خضوع متبادل. القول الأهم في هذا النص هو ان الحب والامانة بين المسيح والكنيسة ليسا فقط مثالاً للزواج ، أكثر من ذلك فالحب بين الرجل والمرأة في الزواج هو علامة تحقق حضور محبة الله وأمانته اللتين ظهرتا ظهوراً نهائياً في يسوع المسيح ، والحاضرتين حضوراً دائماً في الكنيسة. " وهكذا يصير زواج المعمدين رمزاً حقيقياً للعهد الجديد والابدي الذي عُقد في دم المسيح " (مجتمع الاسرة 13).
ومن ثم فعلامة الزواج الاسرارية هي الفعل الشخصي الحر، " الذي فيه يهب الزوجان احدهما ذاته للآخر، ويتقبل احدهما الآخر " (ك ع48).
لذلك فالعروسان، في نظر اللاهوتيين الغربيين الاكثر تمثيلاً، هما اللذان يمنحان السر احدهما للاخر بإعلان ارادتهما الزواج (قول " نعم "، الرضى ). وتكتمل هذه الارادة عندما يصير الاثنان جسدا واحدا (را: تك2: 24، مر10: 8)، وهذا يشمل كل ميادين الحياة.
الكاهن الذي يحضر الزواج يتقبل بأسم الكنيسة الـ " نعم " التي يعلنها العروسان، ويمنحهما بركة الكنيسة. وبهذا يعبّر عن ان الزواج ليس أمراً خاصاً بالعروسين وحدهما، بل هو علامة علنية لمحبة الله وأمانته. وهذا ما يتضح من قول النبي هوشع 2: 21-22، ان الحق والعدل والمحبة والرحمة والامانة هي من خيرات عهد زواج الله مع شعبه. ومن ثم فالصيغة المدنية،
وبالنسبة الى الكاثوليكيين في الظروف الاعتيادية الصيغة الكنسية، لعقد الزواج، ليست معاملة خارجية ولا مجرد شهادة زواج ولاتدخلاً من قبل الدولة او الكنيسة. فالطابع العلني الذي يتسم به الزواج لا ينزع من أصله الحميم في الحب المباشر والشخصي بين الزوجين، بل بالحري يدل على الحماية والاعتراف والمساندة والشهادة لكلمة " نعم " التي قالها العروسان وللطريق المشتركة التي سوف يسلكانها. ومن جهة أخرى فالزوجان هما كلاهما للآخر ولأولادهما، وللكنيسة جمعاء، شاهدان للخلاص الذي اشتركا فيه اشتراكاً خاصاً بنيلهما السر (رع11). الزواج هو شبه كنيسة بيتية و كنيسة صغيرة (را: ك11). وبالتالي فالزواج والاسرة ليسا صورة ورمزاً لطبيعة الكنيسة وحسب، بل يُسهمان بالحري إسهاماُ مميزاً وفاعلاً في بنيان الكنيسة.
ان العروسين، بقولهما " نعم " الذي به يهب كلاهما الآخر ذاته، ينضمان انضماماً خاصاً الى عهد الله مع البشر. فالله نفسه هو الذي يجمع بينهما (را: مر10: 9) ، بحيث منذ تلك الساعة ينتمي كلاهما للآخر أمام الله وأمام المجتمع البشري وأحدهما أمام الآخر. في هذا الصدد يتكلم التعليم الكنسي على العهد الزوجي على انه صورة للعهد الذي لا يُنقض بين الله والبشر. وهكذا يُخلص عهدهما من سيطرة هواهما الخاص وسيطرة مزاج الكنيسة والمجتمع البشري. ان نعمة سر الزواج تقوم، كما في كل سر، في ثلاثة أمور: فالزوجان، بحبهما وأمانتهما، يحققان حضور محبة الله وامانته اللتين تجلتا في يسوع المسيح ويذكران بهما، ومن جهة ثانية يشتركان فيهما، "ان حبهما الزوجي يرتكز على الحب الالهي، وهو يستمد معالم طريقه وغِناه من قدرة المسيح الخلاصية ومن عمل الكنيسة الخلاصي " (ك ع48). ثم ان الازواج يتمكنون، " بقدرة سر الزواج، من التعاون، في حياتهم الزوجية وفي انجاب الاولاد وتربيتهم، على بلوغ القداسة، ومن ثم، فإن لهم، في وضعهم الحياتي وحالتهم، موهبتهم الخاصة في شعب الله " (را: 1كو7: 7) (ك11). والزواج المسيحي هو أخيراً علامة مسبقة للعرس الذي سوف نحتفل به في كمال الازمنة، أعني لبلوغ الواقع كله سعادته وملء كيانه في محبة الله (را: مر2: 19-20، متى22: 1-14، 25: 1-13 الخ) . ومن ثم فإقامة العرس بابهى ما يمكن من مراسيم الاحتفال ومباهج العيد ليس حاجة انسانية عامة وضرورة اجتماعية وحسب، فمثل هذه البهجة، لكونها احتفالاً مسبقاً بالعرس الاخير وباعثاً على الرجاء، لها أيضا على الصعيد المسيحي معناها العميق .
صفات الزواج الاساسية
الوحدة ، الخصب، الامانة التي لا تنحل
في رتبة الزواج الكنسي يُطلب ثلاث مرات رضى العروسين ، ويجيبان ثلاث مرات بكلمة
" نعم ". بهذه الصيغة الثلاثية يُراد التعبير عن ان الرضى يتضمن في الواقع ثلاثة أبعاد شديدة الاهمية بالنسبة الى صحة الزواج: الرضى بالوحدة، وبالخصب، وبالامانة الزوجية التي لا تنحل.
حب الزوجين ينزع بكامل كيانه الى الوحدة في شركة شخصية تشمل كل ميادين الحياة: "ومن ثم فليسا هما اثنين بعد، بل جسد واحد " (متى19: 6، تك2: 24)، وهما مدعوان الى ان ينموا باستمرار في وحدتهما، من خلال الامانة التي بها يحفظان كل يوم الوعد الذي قطعاه في الزواج. " تتأصل شركة الزواج في الاكتمال الطبيعي بين الرجل والمرأة، وتحيا من ارادة الزوجين الشخصية في ان يشارك كلاهما الآخر حياته كلها: ما يملكه وما هو عليه ". هذه الشركة البشرية تتنقى وتكتمل بالشركة في يسوع المسيح التي يمنحها سر الزواج. وهي تتعمق باستمرار بالصلاة وبالتقرب معاً من المناولة الافخارستية. " مثل هذه الشركة يناقضها تعدد الزوجات: فهو ينكر إنكاراً مباشراً تصميم الله... ويناهض المساواة في الكرامة الشخصية بين الرجل والمرأة، التي يهبها كلاهما الآخر في الزواج في حب كليّ، وبفعل كونه كلياً هو واحد ويُقصي اي حب اخر " (مجتمع الاسرة 19).
وكذلك الخصب فهو عنصر اساسي في الزواج. إذ انه من طبيعة الحب الزوجي عينه ان يكون مُخصباً. فالولد، بفعل كونه ثمرة الحب المشترك، لا يُضاف الى حب الزوجين المتبادل كأنه عنصر خارجي عنه او خاضع لمزاجه، بل هو بالحري تحقيقه واكتماله. والله نفسه قد عهد في خدمة الحياة هذه الى الزوجين منذ الخلق، بل أمرهما بهما: " وباركهم الله وقال لهم: انموا وأكثروا "(تك1: 28). بالانجاب يشارك الزوجان الله في محبته الخالقة، إنهما يعملان مع الله الخالق المحب، وفي الوقت عينه يترجمان محبته. بيد ان خصب الحب الزوجي لا يقتصر على الانجاب، بل يتسع ويغتني بثمار الحياة الخُلقية والروحية والفائقة الطبيعة، التي ينقلها الوالدان لاولادهم بالتربية. الوالدان هم حقاً اول المربين لاولادهم وأفضلهم (را: ك ع50، مجتمع الاسرة 28). في هذا المعنى الشامل تقوم مهمة الزواج والاسرة الاساسية في خدمة الحياة (را: ك ع50، مجتمع الاسرة 29-33). لذا فالمسيحيون المتقدمون في السن ، الذين لايمكنهم بعد لدى عقدهم الزواج ان يرجوا أولاداً، والازواج الذين يُحرمون بركة الاولاد ، يستطيعون هم ايضاً ان يجدوا معنى لزواجهم على الصعيدين الانساني والمسيحي .
هذه الرسالة تنطبق اليوم لاسباب متعددة على وضع اجتماعي وثقافي، يصعب فيه على كثير من الازواج قبول تعليم الكنيسة والاضطلاع به باقتناع، وتحقيقه في واقع حياتهم. والكنيسة على علم بالحالة الشاقة احياناً والمؤلمة احياناً اخرى التي يعانيها الكثير من الازواج ، وبالمصاعب المتنوعة التي يواجهونها على الصعيدين الشخصي والاجتماعي. ولكن، وبالنظر الى الذهنية الراهنة بالذات والتي غالباً ما تقف من الحياة موقف العداء، من واجب الكنيسة ان تقف هي الى جانب الحياة. ان النظام الخُلقي لم تخلقه الكنيسة ولا هو متعلق بهواها، فالله هو الذي اعطاه للانسان، بل أمره به. فيجب من ثم على الوالدين أنفسهم ان يتخذوا هم قرارهم، في الابوة المسؤولة وفي رعاية الله ، بالنسبة الى عدد اولادهم. وفي هذا الامر يجب الا يتصرفوا بحسب هواهم الخاص، بل ينقادوا لضمير توجهه الوصية الالهية وفاقاً لتفسيرها من قبل السلطة التعليمية الكنسية ، والتي بمقتضاها يجب ان يكون الحب الزوجي منفتحاً على الحياة الجديدة. ولابد لهم في هذا الحكم من ان يُدرجوا خيرهم الخاص وخير اولادهم- الذين وُلدوا والذين يُنتظرون ، والعلاقات المادية والروحية، وخير اسرة كلها، وخير الجماعة البشرية والكنسية (را: ك ع50، مجتمع الاسرة 29-33). وبالنظر خصوصاً الى المصاعب المذكورة، تنطبق على الأبوة شريعة المسيرة بالتدرج ، أعني السعي الدائم لتخطي المصاعب القائمة ، وذلك بالسلوك الحسن والصلاة والتقرب المنتظم من الاسرار (را:مجتمع الاسرة 34).
والعنصر الاخير الذي تكوّن منه الحب الزوجي أمانته التي لا تنحل. وهي تنتج من كمال العطاء والقبول المتبادلين بين الزوجين ، فالحب الذي هو أهل لان يدعى كذلك، هو دوماً نهائي، ولايمكن ان يوهب الى حين او على سبيل التجربة. أضف الى ذلك ان خير الاولاد يجعل أمانة الزوجين غير المشروطة والتي لا تنحل امراً ضرورياً. وقد أرادها الله في الخلق نفسه: "ما جمعه الله فلا يفرقّه إنسان " (مر10: 9). أما السبب الاعمق فيكمن في أمانة الله لعهده، وخصوصاً في أمانة المسيح لكنيسته، تلك الامانة التي لا تنحل والتي يمثل سر الزواج علامتها وثمرتها. ولذا فإن عدم انحلالية الزواج يثبت تثبيتاً خاصاً بسر الزواج. واليوم بالذات من أهم واجبات الكنيسة وأشدها إلحاحاً ان تؤكد قيمة الامانة الزوجية وعدم الانحلالية، وللذين يرون الارتباط بإنسان على مدى العمر كله امراً شاقاً بل مستحيلاً، عليها ان تشهد لبشرى محبة الله وامانته لنا اللتين لانهاية لهما، واللتين يشترك فيهما الزوجان بسر الزواج، ومنهما يستمدان العضد والسند، وبذلك تريد الكنيسة ان تعترف بالجهد الذي يقوم به الازواج للحفاظ على الامانة الزوجية، برغم ما يجدون في ذلك من مصاعب كبيرة ، وتقدم لهم العون والتشجيع. ولكن يجب الإقرار ايضا بقيمة شهادة الازواج الذين يتركهم شريكهم ومع ذلك يمتنعون عن عقد ارتباط آخر، معتمدين على قدرة الايمان المسيحي (را: مجتمع الاسرة20).
الزواج المختلط
عدد كبير من الكاثوليكيين المتزوجين يعيشون اليوم في ألمانيا في زواج مختلط. فبسبب التنقل الدائم لأقسام متزايدة من السكان ، لم يعد الزواج المختلط بين مؤمنين من مذاهب مختلفة أمراً استثنائياً في ايامنا، ولقد حصل في العقود الاخيرة تغيير كبير في موقف الكثير من الكاثوليكيين في هذا الموضوع. للزواج المختلط نواح كثيرة لايمكننا معالجتها كلها في هذا السياق. لذا سنقتصر في مايلي على الزواج بين المسيحيين الكاثوليكيين والانجيليين .
اما القرارات بالنسبة الى الزواج مع المسيحيين الارثوذكسيين، فتختلف بعض الشيء، ويجب الاستعلام بشأنها لدى الراعي المختص .
من جهة يمكن ان يكون لاختلاف مذهب الزوجين تاثير مثمر على ايمان الزوجين ، وبالتالي على زواجهما ، اذا حمل كل من الشريكين الى الزواج والاسرة تراثه الكنسي الخاص ، وتعلم كلاهما من الآخر وتمكنا هكذا من تعميق حياتهما المشتركة وإثرائها .
ولكن من جهة اخرى يجب عدم الاستهانة بمصاعب الزواج بين المذاهب المختلفة. وهي تنجم عن الانفصال الذي لايزال قائماً بين الكنائس ويؤلمنا الألم الشديد. فثمة اختلافات شديدة في الايمان، وثمة ايضا أحكام مذهبية مُسبقة، وذهنيات مذهبية مختلفة وأمور غيرها قد ترهق الزواج وتقود في بعض الاحيان الى تغرب الزوجين كلاهما عن الاخر. وتظهر لمصاعب بنوع خاص في مسألة تربية الاولاد والاشتراك في الاحتفالات الدينية. ولايندر ان تلجأ الزوجات المختلفة، بسبب تلك المصاعب، الى حيادية مزعومة، فتستبعد التساؤلات الدينية، مما يؤدي الى تغرب الشريكين وتغرب الاولاد ايضا عن كنيستهم .
الفروقات بين الكنائس المنفصلة تتعلق ايضا بمفهوم الزواج . فهي تعتقد معاً ان الزواج يمثل نظام الله ويقوم في ظل بركته. ولكن فيما تعد الكنيسة الكاثوليكية الزواج أحد الاسرار، يصفه لوتر بأنه " أمر من امور العالم الخارجي ". لم يقصد بذلك القول ان الزواج مسألة دنيوية محض، بل انه لاينتمي الى نظام الخلاص، بل الى نظام الخلق فقط .
على هذا الاساس أنكر لوتر على الكنيسة صلاحيتها في وضع قانون للزواج، أسند عقد الزواج الى السلطة المدنية. ومن ثم فالزواج الصحيح المعقود امام السلطة المدنية هو، في نظر البروتستانتي، زواج صحيح ايضا امام الله والكنيسة، ويكفي ان تقدسه الكنيسة ببركتها. اما بالنسبة الى الكاثوليكي، فالزواج لايكون صحيحاً إلا اذا تم عقده كنسياً، والا فيجب الحصول على إعفاء صريح من " واجب الصيغة " هذا. اما الزواج المدني فلا ينظم، بحسب المفهوم الكاثوليكي، إلا عواقب الزواج المدنية. في هذا الفرق الواقعي يتبين مرة اخرى التحديد المختلف للعلاقة بين الكنيسة والعالم، وبنوع أعمّ المفهوم المختلف للكنيسة .
إنسجاماً مع العلاقات المتبدلة والتقارب المسكوني الحاصل، جُددت سنة 1970 قرارات القانون الكنسي بالنسبة الى الزواج المختلط ، ثم صيغت صياغة جديدة مرة اخرى في مجموعة الحق القانوني الكنسي سنة 1983 (را: ق 1124-1129). فبموجب القانون الكنسي الجديد، لم يعد اختلاف المذاهب كما في السابق مانعاً للزواج ، ولكن لعقد زواج مختلط ، لابد من الحصول على اذن صريح من السلطة الكنسية المختصة.
ويُشترط للحصول على الاذن ان يُعلن الشريك الكاثوليكي استعداده لان يعيش في زواجه كمسيحي كاثوليكي، ويشهد للايمان ويسعى جهده في تعميد اولاده وتربيتهم في الايمان الكاثوليكي. ولكن بما ان تربية الاولاد أمر يهم كلا الوالدين، ولايجوز ان يرغم اي من الشريكين على ان يتصرف بخلاف ضميره، يقوم هذا الالتزام على القيام بما يمكن القيام به ضميرياً في واقع كل حالة.
أما عقد الزواج فيجب ان يتم بحسب الصيغة الكاثوليكية. ولكن إن حالت دون ذلك اسباب باهضة، فإذاك يمكن الاسقف الإعفاء من هذا القانون، ويجب، لصحة الزواج، ان يكون ثمة صيغة علنية للعقد، سواء كانت صيغة مدنية او في كنيسة او جماعة كنسية اخرى. ويجب في الحالات الاعتيادية تفضيل صيغة عقد الزواج الدينية على الصيغة المدنية المحض. واذا رغب العروسان في ان يشارك راعياً الكنيستين في هذا الزواج ، فيجب ما أمكن تحقيق تلك الرغبة. مثل هذا " الزواج الكنسي المشترك " ليس زواجاً مزدوجاً، فالزواج يجري بموجب الصيغة الكاثوليكية او غير الكاثوليكية، وراعي الكنيسة الاخرى يشارك في الصلاة والبركة.
الوضع المسكوني المتحول قد حمل الكنائس في القرن الاخير على عمل رعائي مشترك لمرافقة الزواج في الزواجات والاسر المختلفة. وتقوم مهمة هذا العمل الرعائي في مساعدة الازواج على ان يكون زواجهم صالحاً ، ويتعلموا ان يعيشوا في زواجهم بحسب مستلزمات الايمان المسيحي. وعليه ان يساعدهم ايضا على ان يتحملوا التوتر القائم بين ارتباط كلا الزوجين بالآخر، وارتباط كلاهما بكنيسته. وعليه ان يشجعهم على الحفاظ على ماهو مشترك في الايمان بين الزوجين واحترام ماهو مختلف لدى الشريك الآخر.
هذه الرعاية المشتركة في مرافقة الزواج تفترض جواً من العمل المشترك المتسم بالثقة بين الكنائس ولاسيما بين رعاة الكنيستين في مجالات اخرى ايضا.
بالنسبة الى الاشتراك في الرتب الدينية، يجب تطبيق المبدأ الاساسي التالي: كل من الشريكين يجب ان يتأصل في ايمانه بموجب ضميره، ويبقى عضواً في كنيسته. وهذا يتضمن اشتراك كل واحد في صلوات كنيسته اشتراكاً منتظماً، والتفهم المحب للإفساح في المجال للشريك الآخر للاشتراك في صلوات يوم الاحد في كنيسته الخاصة. ولكن يجب على الشريكين المختلفي المذهب ان يشتركا ايضا معاً في بعض المناسبات في احتفالات كنائسهم الدينية (را: السينودس الالماني العام: عمل الكنائس الرعائي المشترك في خدمة الوحدة المسيحية 7).
ان حقيقة الخلق لا تصير بوجهً مباشر علامةً اسرارية للخلاص في أي سر آخر كما تصيره في الزواج. ولكنها ايضا لاتؤدي في اي سر آخر كما في الزواج الى مثل هذا التداخل والتوتر بين العالم العتيق المضلل بالخطيئة والعالم الجديد الذي ظهر في يسوع المسيح. والاوضاع الرعائية الشاقة التي تكلمنا عليها هي دلائل على هذا التشابك الذي يصعب فكّه في الحالات المنفردة.
ومن ثم فان سر الزواج يشير، من وراء الزمن الحاضر الواقع بين مجيء يسوع المسيح في الاتضاع ومجيئة الثاني في المجد، الى مائدة العرس السماوية والى حياة الدهر الآتي .