سر الكهنوت
: توجه يسوع في كرازته الى شعب اسرائيل بمجمله. فأعلن البشرى الصالحة للجميع، ودعا الجميع الى اتباعه. ولكن من بين عدد تلاميذه الكبير، دعا اثني عشر تلميذا لاتباعه خاصا فيعيشوا في شركة خاصة معه، ويقاسموه رسالته:
" ثم صعد الى الجبل، ودعا اليه الذين ارادهم، فأقبلوا اليه. وأقام منهم اثني عشر ليكونوا معه، ويرسلهم للكرازة ، ويكون لهم سلطان على طرد الشياطين "
(مر3: 13-15، را:6: 6ب-13).
دعوة الاثني عشر الخاصة لم تستند الى مؤهلاتهم الطبيهية ولا الى انجازاتهم الشخصية. فكثيرا ما يُخبرنا الكتاب المقدس عن تصلبهم وتقلبهم وعدم امانتهم. بل نشأت دعوتهم من اختيار يسوع لهم اختيارا حرا." لستم انتم قد اخترتموني، بل انا اخترتكم " (يو15: 16). وعندما يختار يسوع ويدعو، فاختياره فاعل ودعوته خلاّقة، انه يعطي ما يتطلبه، فمن بين التلاميذ الذين دعاهم أقام اثني عشر، وجعلهم ما هم عليه. ومن ثم فنحن بصدد دعوة فعّالة الى الخدمة. أما هدف هذه الدعوة فهو الشركة الشخصية الخاصة مع يسوع، والارسال للكرازة ولخلاص العالم من سلطان الشر. وفي هذا، فالرسول هو على مثال مُرسِله: " من سمع منكم، فقد سمع مني " (لو10: 16، را: مر10: 40، يو13: 20). هذا الدور التمثيلي يظهر بنوع خاص في ان يسوع قد عهد الى تلاميذه، عشية الآمه، في ان يعيدوا باستمرار، على انهم ممثلون له، حضور بذل حياته حتى الموت من اجل خلاصنا، في احتفال الافخارستيا:
" اصنعوا هذا لذكري! " (لو22: 19، را: 1كو11: 25).
وقد أثبت يسوع، من بعد قيامته، هذه الدعوة الخاصة وهذا الارسال للكرازة والمعمودية
(را: متى28: 19-20، مر16: 15-16) ومغفرة الخطايا (را:يو20: 22-23)، ووعد الرسل بأيدِه الخاص، وارسل اليهم الروح القدس ليكونهوا شهوداً له في أقاصي الارض (را:أع1: 8). ويشهد العهد الجديد، كما راينا آنفاً، بأن هذا الارسال لخدم رسولية خاصة يستمر في الكنيسة. فالرب المرتفع الى المجد لا يزال يمنح مواهبه لبنيان الكنيسة، إذ يُقيم رسلاً وأنبياء ومبشرين، " منظماً هكذا القديسين (أي المؤمنين) لاجل الخدمة في سبيل بنيان جسد المسيح " (أف4: 11-12).
علامة منح الخدمة الرسولية والكهنوتية هي منذ العهد الرسولي وضع اليد مقروناً بالصلاة (را:أع6: 6، 13: 3). هذه الحركة العريقة في القدم، التي تعني منح البركة وهبة الروح القدس وتسليم وظيفة الخدمة، نلتقيها منذ العهد القديم في تسليم موسى ليشوع وظيفته (را:عد15: 27-23، تث34: 9). وكانت تتم آنذاك في الدين اليهودي لدى تسليم معلم الناموس وظيفته. ويتبين من الرسائل الراعوية في العهد الجديد انها كانت منذ ذلك الوقت ممارسة الكنيسة المعهودة:
" لاتهمل الموهبة التي فيك، التي اوتيتها عن طريق النبوة وبوضع ايدي الكهنة" (1تي4: 13).
" لذلك اذكرك ان تذكي فيك الموهبة التي آتاكها الله بوضع يدي " (2تي 1: 6).
في هذا نجد منذ العهد الجديد اساس كل عناصر سر الكهنوت الجوهرية: وضع اليد المقرون بصلاة لمنح موهبة خاصة من قبل الله. ونجد هذه العناصر في صيغة موسعة في الزمن الذي تلا مباشرة العهد الرسولي لدى اغناطيوس الانطاكي (حوالي سنة 110). أما تقليد الكنيسة اللاحق فلم يتوسع في هذا السر وحسب. بل راح يدافع عنه ضد ما أُثير حوله من تساؤلات. وقد جرى هذا منذ المجمع اللاتراني الرابع (سنة 1215) (را: دنتسنغر802)، وخصوصا في المجمع التريدنتيني (سنة 1563) رداً على المصلحين (را: دنتسنغر 1764- 1778). وقد أثبت المجمع التريدنتيني ان سر الكهنوت هو سر اسسه يسوع المسيح، وهو يعطي السلطان والنعمة، ولايجوز فهمه على انه فقط تسليم لوظيفة او مجرد خدمة تقوم على الكرازة بالانجيل. والمجمع التريدنتيني، الى جانب دفاعه عن السلطان الاسراري لمنح الحلة والتكريس، أوصى ايضا بشدة كل الرعاة بان يكرزوا بكلمة الله، ووصف الكرازة بالانجيل بانها مهمة الاساقفة الاولى.
ان صورة سر الكهنوت قد تطورت كثيرا عبر التاريخ. فوضع اليد المقرون بالصلاة كان عنصراً ثابتاً. واضيف اليه على مر الاجيال بعض العناصر المعبرة المستقاة من العهد القديم: تسليم كتاب الانجيل في سيامة الشماس، مسح اليدين بالزيت المقدس وتسليم الاواني المقدسة (الكأس والصينية ) في سيامة الكاهن، ووضع الانجيل على الرأس ومسح الرأس بالميرون وتسليم الشارات الاسقفية (الخاتم والتاج وعصا الرعاية ) في سيامة الاسقف.
: توجه يسوع في كرازته الى شعب اسرائيل بمجمله. فأعلن البشرى الصالحة للجميع، ودعا الجميع الى اتباعه. ولكن من بين عدد تلاميذه الكبير، دعا اثني عشر تلميذا لاتباعه خاصا فيعيشوا في شركة خاصة معه، ويقاسموه رسالته:
" ثم صعد الى الجبل، ودعا اليه الذين ارادهم، فأقبلوا اليه. وأقام منهم اثني عشر ليكونوا معه، ويرسلهم للكرازة ، ويكون لهم سلطان على طرد الشياطين "
(مر3: 13-15، را:6: 6ب-13).
دعوة الاثني عشر الخاصة لم تستند الى مؤهلاتهم الطبيهية ولا الى انجازاتهم الشخصية. فكثيرا ما يُخبرنا الكتاب المقدس عن تصلبهم وتقلبهم وعدم امانتهم. بل نشأت دعوتهم من اختيار يسوع لهم اختيارا حرا." لستم انتم قد اخترتموني، بل انا اخترتكم " (يو15: 16). وعندما يختار يسوع ويدعو، فاختياره فاعل ودعوته خلاّقة، انه يعطي ما يتطلبه، فمن بين التلاميذ الذين دعاهم أقام اثني عشر، وجعلهم ما هم عليه. ومن ثم فنحن بصدد دعوة فعّالة الى الخدمة. أما هدف هذه الدعوة فهو الشركة الشخصية الخاصة مع يسوع، والارسال للكرازة ولخلاص العالم من سلطان الشر. وفي هذا، فالرسول هو على مثال مُرسِله: " من سمع منكم، فقد سمع مني " (لو10: 16، را: مر10: 40، يو13: 20). هذا الدور التمثيلي يظهر بنوع خاص في ان يسوع قد عهد الى تلاميذه، عشية الآمه، في ان يعيدوا باستمرار، على انهم ممثلون له، حضور بذل حياته حتى الموت من اجل خلاصنا، في احتفال الافخارستيا:
" اصنعوا هذا لذكري! " (لو22: 19، را: 1كو11: 25).
وقد أثبت يسوع، من بعد قيامته، هذه الدعوة الخاصة وهذا الارسال للكرازة والمعمودية
(را: متى28: 19-20، مر16: 15-16) ومغفرة الخطايا (را:يو20: 22-23)، ووعد الرسل بأيدِه الخاص، وارسل اليهم الروح القدس ليكونهوا شهوداً له في أقاصي الارض (را:أع1: 8). ويشهد العهد الجديد، كما راينا آنفاً، بأن هذا الارسال لخدم رسولية خاصة يستمر في الكنيسة. فالرب المرتفع الى المجد لا يزال يمنح مواهبه لبنيان الكنيسة، إذ يُقيم رسلاً وأنبياء ومبشرين، " منظماً هكذا القديسين (أي المؤمنين) لاجل الخدمة في سبيل بنيان جسد المسيح " (أف4: 11-12).
علامة منح الخدمة الرسولية والكهنوتية هي منذ العهد الرسولي وضع اليد مقروناً بالصلاة (را:أع6: 6، 13: 3). هذه الحركة العريقة في القدم، التي تعني منح البركة وهبة الروح القدس وتسليم وظيفة الخدمة، نلتقيها منذ العهد القديم في تسليم موسى ليشوع وظيفته (را:عد15: 27-23، تث34: 9). وكانت تتم آنذاك في الدين اليهودي لدى تسليم معلم الناموس وظيفته. ويتبين من الرسائل الراعوية في العهد الجديد انها كانت منذ ذلك الوقت ممارسة الكنيسة المعهودة:
" لاتهمل الموهبة التي فيك، التي اوتيتها عن طريق النبوة وبوضع ايدي الكهنة" (1تي4: 13).
" لذلك اذكرك ان تذكي فيك الموهبة التي آتاكها الله بوضع يدي " (2تي 1: 6).
في هذا نجد منذ العهد الجديد اساس كل عناصر سر الكهنوت الجوهرية: وضع اليد المقرون بصلاة لمنح موهبة خاصة من قبل الله. ونجد هذه العناصر في صيغة موسعة في الزمن الذي تلا مباشرة العهد الرسولي لدى اغناطيوس الانطاكي (حوالي سنة 110). أما تقليد الكنيسة اللاحق فلم يتوسع في هذا السر وحسب. بل راح يدافع عنه ضد ما أُثير حوله من تساؤلات. وقد جرى هذا منذ المجمع اللاتراني الرابع (سنة 1215) (را: دنتسنغر802)، وخصوصا في المجمع التريدنتيني (سنة 1563) رداً على المصلحين (را: دنتسنغر 1764- 1778). وقد أثبت المجمع التريدنتيني ان سر الكهنوت هو سر اسسه يسوع المسيح، وهو يعطي السلطان والنعمة، ولايجوز فهمه على انه فقط تسليم لوظيفة او مجرد خدمة تقوم على الكرازة بالانجيل. والمجمع التريدنتيني، الى جانب دفاعه عن السلطان الاسراري لمنح الحلة والتكريس، أوصى ايضا بشدة كل الرعاة بان يكرزوا بكلمة الله، ووصف الكرازة بالانجيل بانها مهمة الاساقفة الاولى.
ان صورة سر الكهنوت قد تطورت كثيرا عبر التاريخ. فوضع اليد المقرون بالصلاة كان عنصراً ثابتاً. واضيف اليه على مر الاجيال بعض العناصر المعبرة المستقاة من العهد القديم: تسليم كتاب الانجيل في سيامة الشماس، مسح اليدين بالزيت المقدس وتسليم الاواني المقدسة (الكأس والصينية ) في سيامة الكاهن، ووضع الانجيل على الرأس ومسح الرأس بالميرون وتسليم الشارات الاسقفية (الخاتم والتاج وعصا الرعاية ) في سيامة الاسقف.