الرسالة الرسولية لقداسة البابا
يوحنا بولس الثاني
عن "يوم الرب"
1. عرف يوم الرب وكُرّم منذ البدء. "هذه هو اليوم الذي صنعه الرب".
2. أصل يوم الرب هو قيامة المسيح التي هي محور التاريخ. يوم السيّد هو سّيد الأيام.
3. تأتي هذه الرسالة في إطار الاحتفالات باليوبيل الكبير (2000) على مستوى الكنائس المحلية والكنيسة الجامعة.
4. كان الاحتفال بيوم الأحد سهلا في الماضي حين كان يوم الأحد يوم الراحة العام للجميع، حتى في الحياة المدنية. أما اليوم، فقد سادت حضارة "نهاية الأسبوع Week end، مع أن التزام المؤمن بيوم الأحد يبقى على ما هو.
5. لذا، نرى واقع يوم الأحد يختلف من مكان إلى آخر.
6. نريد بهذه الرسالة أن نقوم بعملية تفكير في الأسس العميقة ليوم الرب.
7. وكما قلت لكم في الماضي: "لا تخافوا إن تفتحوا أبوابكم للمسيح"، أقول لكم اليوم: "لا تخافوا إن تعطوا وقتكم للمسيح". فالوقت المعطى للمسيح ليس وقتا ضائعا.
الفصل الأول : يوم الرب
"الاحتفال بعمل الخالق"
8. أول مرجع ليوم الرب هو الراحة بعد عمل الخلق، والراحة التي قدمها الله للشعب بعد الخروج.
9. عمل الخلق حسن ما دام مرتبطا بالخالق، ويعود حسنا بعد الخطيئة بمقياس إعادته إلى الخالق.
10. ما صنعه الله جيد وحسن، والإنسان مدعو إلى أن يسكن العالم و يكمّل عمل الله فيه.
11. وإذا كان عمل الله مثالا للإنسان، فكذلك راحته. معنى الراحة هنا هو تمتع الإنسان بجمال ما صنع.
12. هنالك علاقة خفية بين يوم الراحة (الخلق) والفداء. فالله الذي ارتاح يوم السبت هو الذي أراح الشعب بعد الخروج، وهو أيضا صورة العريس الذي يقف أمام عروسه.
13. المحافظة على يوم الراحة أمر أساسي في العلاقة مع الله. من هنا دخل يوم الراحة في الوصايا.
14. أساس هذه الأهمية ليوم الرب لاهوتي: فالله بارك يوم السبت وقدّسه.
15. يسمح السبت بإقامة علاقة صلاة خاصة ومتميّزة بين الإنسان والله، ويذكّر إن كل شيء من الله والى الله.
16. اذكر السبت لتقدّسه. التقديس هو سبب الذكرى. لذا فالراحة المطلوبة ليست فقط كما ارتاح الله، بل راحة في الله، بمعنى إرجاع الخليقة إلى الله.
17. تتضمن الراحة إذاً عنصرين: الانقطاع عن العمل والاحتفال بعظائم الله.
18. بيد أن مرور السبت إلى الأحد مردّه قيامة المسيح التي بدأت خلقا جديدا. من هنا يصبح يوم الرب يوم المسيح.
الفصل الثاني: يوم المسيح
"يوم قيامة الرب وإفاضة الروح"
19. شهدت القرون الأولى عادة الاحتفال بالفصح الأسبوعي في الشرق والغرب. مع الإيمان أن قيامة المسيح أعطت المعنى الأخير لراحة السبت.
20. تشهد الأناجيل أن قيامة المسيح تّمت في اليوم الأول بعد السبت، وكذلك حلول الروح.
21. والمسيحيون الأوائل اجتمعوا غداة السبت (أعمال ورؤيا) لكسر الخبز (بولس)
22. وبما أن يوم الأحد لم يكن بعد يوم عطلة مدنية، اعتاد المسيحيون على الاجتماع للصلاة في الصباح مبكّرا.
23. ومع الوقت، بدأ الأحد "المسيحي" ينفصل تدريجيا عن السبت "اليهودي".
24. وهكذا أصبح الأحد في الفكر المسيحي أول يوم في الأسبوع وأول يوم في الكون (الخلق الجديد). وأصبح المسيح "بكرُ القائمين"، "بكَر الخليقة".
25. كما أصبح الأحد ذكرى الفداء بسبب السر العظيم الذي تم فيه.
26. وأصبح أيضا رمزَ الزمن الآتي الذي لا يغيب. البُعد الاسكاتولوجي.
27. أصل الاحتفال التاريخي بيوم الأحد وثني (يوم الشمس) Sunday. (يوستينوس). وقد أعطت الكنيسة لهذا العيد معنى مسيحيا (المسيح هو الشمس).
28. ومع نور المسيح نار الروح القدس (العنصرة). "خذوا الروح القدس" (مساء أحد القيامة)، وحلول الروح القدس (يوم أحد العنصرة.)
29. نور ونار وإيمان. الاحتفال الليتورجي المحتفى به يوم الأحد يعبّر عن إيمان الجماعة المسيحية، على غرار إيمان توما الرسول.
30. لهذه الأسباب أصبح الاحتفال بيوم الأحد أمرا أساسيا لا يمكن التنازل عنه، بالرغم من صعوبة ممارسته في بعض الظروف أو البلدان.
الفصل الثالث: يوم الكنيسة
"الاحتفال الافخارستي قلب يوم الأحد"
31. يوم الأحد هو الاحتفال بالمسيح القائم والموجود دوما بيننا. وللتبشير بهذا الوجود، لا تكفي الصلاة الفردية، بل الصلاة ضمن الجماعة المفتداة.
32. وهذا الاحتفال الجماعي، أصله وتتويجه الاحتفال بالافخارستيا.
33. اجتماع الرسل مساء أحد القيامة هو المثال الأول لاجتماع شعب الله.
34. الاحتفال بكل قداس أمر مهم، لكن احتفال الأحد بالذات -كونه يوم قيامة المسيح- هو المثال الأعلى.
35. هكذا يصبح "يومُ الرب"، "يومَ الكنيسة". من هنا نفضّل أن تكون جميع الاحتفالات الليتورجية الخاصة يوم الأحد في كنيسة الجماعة المسيحية.
36. لذا احتفال يوم الأحد تعبير عن "سرّ الوحدة" الذي يميّز الكنيسة عندما تصلي مجتمعة، ووحدة الأسرة عندما تصلي مجتمعة، ووحدة الحركات الرسولية التي تندمج داخل صلاة الجماعة في الرعية.
37. يظهر هكذا أيضا بُعدٌ آخر من أبعاد الكنيسة، وهو كونها شعب يسير نحو الملكوت، نحو الأحد الأبدي الذي تحتفل به أورشليم السماوية.
38. لذا يوم الأحد هو أيضا يوم الرجاء، بسبب الأمل والتوجه نحو الآخرة السعيدة.
39. يتم اللقاء بالرب في الاحتفال بالافخارستيا من خلال المشاركة في مائدتين: مائدة كلام الله ومائدة القربان، والمائدتان مترابطتان.
40. من هنا علينا أن نتفحّص دور أهمية كلمة الله في الاحتفال الليتورجي من ناحية التحضير والإعلان والتفسير والفهم.
41. إعلان الكلمة هو وقت يُقيم الله فيه حوارا مع شعبه ويدعوه باستمرار إلى الارتداد وتجديد العهد.
42. والاحتفال بالقربان هو أجمل وقت تؤدي فيه الكنيسة المديح للآب وتمجده "بالمسيح ومع المسيح وفي المسيح في وحدة الروح القدس".
43. فرح الاحتفال يوم الأحد يجد تمامه في فرح القيامة وفي ذكر صنائع الله لشعبه.
44. والقربان وليمة يدعى إليها المؤمنون. لذا يحبّذ أن يقترب من يشارك في الذبيحة في تناول جسد الرب ودمه على أن يكون ذلك باستحقاق. بيد أن الاقتراب من مائدة الرب لا فائدة منه إن لم يكن تعبيرا عن المحبة الأخوية التي يجب أن تسود بين المشاركين (قبلة السلام، المصالحة....)
45. الهدف من تناول خبز الحياة هو الرسالة والشهادة على مثال تلميذي عماوس.
46. تأصلت عادة وصية المشاركة في قداس يوم الرب إلى القرون الأولى. وقد عاشها الكثيرون مرارا بروح التضحية والبطولة.
47. حثت الكنيسة أبناءها دوما على المشاركة في قداس يوم الرب، وقد أخذ ذلك شكلا قانونيا في بعض فترات تاريخ الكنيسة. وما زال كذلك حتى اليوم.
48. والصعوبات التي يواجهها بعض المؤمنين اليوم في المشاركة في وصية الأحد لا تقل عن فترات الماضي. لذا يتوجب على المسئولين أن يحثوا المؤمنين على ذلك دون تواني.
49. من جهة أخرى على الأساقفة أن يسهروا على تأمين القداس للمؤمنين يوم الأحد وأن يعطوا الاذونات والتسهيلات اللازمة لذلك (أكثر من قداس، مساء السبت...)
50. يجب أن يصطبغ قداس الأحد بصبغة الاحتفال والفرح من خلال التحضير والترتيل.
51. يعود فقط للكاهن أن يقيم الذبيحة، لكن يجب العمل على أن يشارك أكبر عدد ممكن من العلمانيين (شباب وبالغين) في تحضير قداس الأحد، كل حسب مواهبه.
52. يجب أن يشع روح المسيح المنبعث من الاحتفال الليتورجي على باقي فترات يوم الأحد (الحياة العائلية، العلاقات الاجتماعية، الراحة...)، كما يمكن القيام بنشاطات دينية أخرى غير القداس (زياح، تربية مسيحية...)
53. هنالك مشكلة الجماعات المسيحية التي لا تجد كاهنا يقيم الذبيحة. وقد حددت الكنيسة نظاما خاصا لذلك يسهر الأساقفة على السير بموجبه.
54. ومن كان لا يستطيع المشاركة شخصيا في ذبيحة القداس بسبب مرض أو شيخوخة، يمكنه مطالعة نصوص القداس أو متابعة في وسائل الإعلام حين يكون الأمر ممكنا.
الفصل الرابع: يوم الإنسان
"يوم الأحد، يوم الفرح والراحة والتضامن"
55. تركّز جميع الليتورجيات على الفرح الذي يجب أن يميّز يوم الرب.
56. وهذا الفرح لا معنى له إن لم يكن متأصلا في فرح بشرى القيامة.
57. وهذا الفرح يمتد على كل مراحل حياة المؤمن، وهو فرح يختلف عن الأفراح العابرة.
58. ومع ذلك فالفرح الفصحي لا يتعارض مع الأفراح البشرية السليمة، لا بل يضفي عليها بُعدا جديدا روحيا.
59. وهكذا نعود إلى معنى السبت الأصلي الذي هو الاحتفال بالخليقة الجديدة (التي تحققت بالقيامة). نرى هنا مجددا البعد الكريستولوجي ليوم الرب.
60. هكذا يسمح يوم الرب للمؤمن أن يتحد بالله من حيث أنه يفتح قلبه وحياته للخالق بشكل متميز.
61. العلاقة قوية ومتميزة بين يوم ارتاح الرب ويوم خلق الإنسان بالذات. فالنص الكتابي لا يذكر أن الله ارتاح إلا بعد أن خلق الإنسان. لذا عندما يرتاح الإنسان يحقق ذاته ويحقق ما أراده الله له (أن يكون على صورته ومثاله).
62. وما يقال عن السبت يقال عن الأحد الذي سار بالسبت إلى الاكتمال بالمسيح.
63. أراد المسيح أن يجدد الخلاص (الخروج) بشفائه الأسقام (يوم السبت). وفتح بذلك الباب لتفسير روحي لا حرفي لشريعة الراحة الأسبوعية.
64. أصبح يوم الأحد عيدا رسميا في الإمبراطورية الرومانية ابتداء من القرن الرابع. لكنه يبقى كذلك بالنسبة للكنيسة حتى في البلاد التي ليس الأحد فيها كذلك (بالرغم من الصعوبات). ذلك أن معناه أولاً روحي لا مدني.
65. معنى العلاقة بين يوم الراحة ويوم الرب في المجتمع المدني أوسع من المعنى المسيحي، لأنه مطبوع في طبيعة الإنسان ليرتاح ويتمتع بجمال الخليقة والخالق.
66. وعندما تتكلم الكنيسة عن يوم راحة الإنسان، تفكر في ظروف العمل الصعبة والمرهقة للكثير من بني البشر. والراحة حق بشري يشعر الجميع فيه أنهم متساوون.
67. كما تسمح الراحة باكتشاف الأشخاص والوجوه والأشياء وحتى الطبيعة بشكلها الحقيقي، الذي قد ينساه الإنسان في غمرة العمل. وهذا أمر يتطابق مع الإيمان المسيحي، على ألا يقتصر عليه فقط.
68. وهكذا يصبح يوم الراحة يوم حرية ومشاركة أخوية وتسلية سليمة. وهو بذلك يساهم في تنمية كرامة الإنسان، لذا يحق أن ندعوه "يوم الإنسان".
69. وبما أنه لا فرح دون محبة، فيوم الأحد هو أيضا يوم المحبة وأعمال الرحمة تجاه الإخوة.
70. كان التفكير بالإخوة الفقراء من أول اهتمامات المسيحيين الأوائل يوم الرب. (راجع توبيخ بولس لكورنتوس وتوبيخ مار يعقوب).
71. وهذا أمر ردده أيضا آباء الكنيسة في القرون الأولى (امبروسيوس وفم الذهب)
72. وهذه المشاركة مع المحتاج شعاع من المحبة المنبعثة من قداس الأحد. وإن كان الأحد اليوم الأكثر مناسبة للقيام بأعمال الرحمة، فباقي الأيام أيضا دعوة لعيش المحبة مع المحتاج.
73. هكذا يصبح يوم الرب مدرسة محبة وعدل وسلام. فوجود الرب القائم وسط الجماعة يشدد روابطها.
الفصل الخامس: يوم الأيام
"الأحد، يوم يكشف معنى الزمن"
74. للزمن أهمية كبيرة في المسيحية. ففيه تجسّد ابن الله وفيه ستتم نهاية العالم. وفيه عاش المسيح ناسوته. من هنا تطلق الليتورجيا على المسيح لقب "الألف والياء".
75. يوم القيامة يوم تخترق الأيام والشهور والسنوات ويحول مسارها نحو المسيح ويهيئها لليوم الأخير.
76. وبما أن الزمن يستعمل أيضا لذكرى الحوادث المهمة في حياة الأشخاص والجماعات، هكذا الأحد يعيد ذكرى أهم حدثين في الدين المسيحي (القيامة والعنصرة) والكثير من الذكريات الأخرى المرتبطة بهما.
77. هذا هو أيضا معنى السنة الطقسية التي تبدأ بالتحضير لتجسد المسيح وتنتهي بذكرى الأزمنة الأخيرة.
78. ومع ذكرى المسيح المتتابعة خلال السنة الليتورجية بأكملها، هناك مكان لذكرى والدة الإله والقديسين الذين تألموا مع المسيح وقاموا معه للحياة.
79. وما ينطبق على الأحد ينطبق على أعياد البطالة، التي تحددها المجالس الأسقفية في البلدان المختلفة.
80. وفي حال تزامن الاحتفال بيوم الرب مع احتفال ديني شعبي آخر، فعلى الرعاة أن يقوموا بالجهد الرَعوي اللازم للمحافظة على أهمية الحدثين.
خاتمة
81. يوم الأحد كما فهمته الكنيسة يوم ينير للمؤمن الطريق في كيف يعيش حياته المسيحية.
82. بروح الإيمان هذه على المؤمن أن يلزم الراحة يوم الأحد - مثله مثل باقي مواطنيه- دون أن يفقد المعنى الروحي الالتزام الديني بيوم الرب.
83. هكذا يصبح يوم الأحد مدرسة لباقي الأيام، ومثالا للمجتمع الذي أصبح في غالبيته غير مؤمن.
84. وليوم الأحد "شحنة" تبشير. فهو يدل على أن الزمن ليس وقتا مهدورا بل مناسبة لتحويل لحظات حياتنا المتتابعة إلى قيم فيها بذرة الأبدية. ومن أسبوع إلى أسبوع يقترب زمن مجيء الرب في المجد.
85. الروح القدس يسند الكنيسة في جهدها هذا المشدود نحو الأبدية، ويجدد فيها باستمرار ذكرى الرب القائم. وإن كان الروح موجودا في الكنيسة باستمرار، فوجوده فيها له مكان خاص يوم الأحد.
86. أضع هذه الرسالة تحت شفاعة مريم العذراء الموجودة هي أيضا في الكنيسة في كل احتفال أحد، (دون أي تعدي على مكانة المسيح المركزية). فحيث هناك يوم الرب ويوم الكنيسة، لا بد أن توجد أيضا أم الرب وأم الكنيسة.
87. نضع هذه الرسالة في إطار الاحتفالات باليوبيل الكبير. لا بد من إقامة احتفالات كبيرة بهذه المناسبة، والاحتفال بيوم الأحد يشكل إيقاعاً متميّزا لهذه الاحتفالات.
اطلب من الأساقفة ومن الرعاة أن يفعّلوا هذه الرسالة في جماعاتهم المؤمنة.
مع البركة الرسولية
في 31/5/1998
يوحنا بولس الثاني.
يوحنا بولس الثاني
عن "يوم الرب"
1. عرف يوم الرب وكُرّم منذ البدء. "هذه هو اليوم الذي صنعه الرب".
2. أصل يوم الرب هو قيامة المسيح التي هي محور التاريخ. يوم السيّد هو سّيد الأيام.
3. تأتي هذه الرسالة في إطار الاحتفالات باليوبيل الكبير (2000) على مستوى الكنائس المحلية والكنيسة الجامعة.
4. كان الاحتفال بيوم الأحد سهلا في الماضي حين كان يوم الأحد يوم الراحة العام للجميع، حتى في الحياة المدنية. أما اليوم، فقد سادت حضارة "نهاية الأسبوع Week end، مع أن التزام المؤمن بيوم الأحد يبقى على ما هو.
5. لذا، نرى واقع يوم الأحد يختلف من مكان إلى آخر.
6. نريد بهذه الرسالة أن نقوم بعملية تفكير في الأسس العميقة ليوم الرب.
7. وكما قلت لكم في الماضي: "لا تخافوا إن تفتحوا أبوابكم للمسيح"، أقول لكم اليوم: "لا تخافوا إن تعطوا وقتكم للمسيح". فالوقت المعطى للمسيح ليس وقتا ضائعا.
الفصل الأول : يوم الرب
"الاحتفال بعمل الخالق"
8. أول مرجع ليوم الرب هو الراحة بعد عمل الخلق، والراحة التي قدمها الله للشعب بعد الخروج.
9. عمل الخلق حسن ما دام مرتبطا بالخالق، ويعود حسنا بعد الخطيئة بمقياس إعادته إلى الخالق.
10. ما صنعه الله جيد وحسن، والإنسان مدعو إلى أن يسكن العالم و يكمّل عمل الله فيه.
11. وإذا كان عمل الله مثالا للإنسان، فكذلك راحته. معنى الراحة هنا هو تمتع الإنسان بجمال ما صنع.
12. هنالك علاقة خفية بين يوم الراحة (الخلق) والفداء. فالله الذي ارتاح يوم السبت هو الذي أراح الشعب بعد الخروج، وهو أيضا صورة العريس الذي يقف أمام عروسه.
13. المحافظة على يوم الراحة أمر أساسي في العلاقة مع الله. من هنا دخل يوم الراحة في الوصايا.
14. أساس هذه الأهمية ليوم الرب لاهوتي: فالله بارك يوم السبت وقدّسه.
15. يسمح السبت بإقامة علاقة صلاة خاصة ومتميّزة بين الإنسان والله، ويذكّر إن كل شيء من الله والى الله.
16. اذكر السبت لتقدّسه. التقديس هو سبب الذكرى. لذا فالراحة المطلوبة ليست فقط كما ارتاح الله، بل راحة في الله، بمعنى إرجاع الخليقة إلى الله.
17. تتضمن الراحة إذاً عنصرين: الانقطاع عن العمل والاحتفال بعظائم الله.
18. بيد أن مرور السبت إلى الأحد مردّه قيامة المسيح التي بدأت خلقا جديدا. من هنا يصبح يوم الرب يوم المسيح.
الفصل الثاني: يوم المسيح
"يوم قيامة الرب وإفاضة الروح"
19. شهدت القرون الأولى عادة الاحتفال بالفصح الأسبوعي في الشرق والغرب. مع الإيمان أن قيامة المسيح أعطت المعنى الأخير لراحة السبت.
20. تشهد الأناجيل أن قيامة المسيح تّمت في اليوم الأول بعد السبت، وكذلك حلول الروح.
21. والمسيحيون الأوائل اجتمعوا غداة السبت (أعمال ورؤيا) لكسر الخبز (بولس)
22. وبما أن يوم الأحد لم يكن بعد يوم عطلة مدنية، اعتاد المسيحيون على الاجتماع للصلاة في الصباح مبكّرا.
23. ومع الوقت، بدأ الأحد "المسيحي" ينفصل تدريجيا عن السبت "اليهودي".
24. وهكذا أصبح الأحد في الفكر المسيحي أول يوم في الأسبوع وأول يوم في الكون (الخلق الجديد). وأصبح المسيح "بكرُ القائمين"، "بكَر الخليقة".
25. كما أصبح الأحد ذكرى الفداء بسبب السر العظيم الذي تم فيه.
26. وأصبح أيضا رمزَ الزمن الآتي الذي لا يغيب. البُعد الاسكاتولوجي.
27. أصل الاحتفال التاريخي بيوم الأحد وثني (يوم الشمس) Sunday. (يوستينوس). وقد أعطت الكنيسة لهذا العيد معنى مسيحيا (المسيح هو الشمس).
28. ومع نور المسيح نار الروح القدس (العنصرة). "خذوا الروح القدس" (مساء أحد القيامة)، وحلول الروح القدس (يوم أحد العنصرة.)
29. نور ونار وإيمان. الاحتفال الليتورجي المحتفى به يوم الأحد يعبّر عن إيمان الجماعة المسيحية، على غرار إيمان توما الرسول.
30. لهذه الأسباب أصبح الاحتفال بيوم الأحد أمرا أساسيا لا يمكن التنازل عنه، بالرغم من صعوبة ممارسته في بعض الظروف أو البلدان.
الفصل الثالث: يوم الكنيسة
"الاحتفال الافخارستي قلب يوم الأحد"
31. يوم الأحد هو الاحتفال بالمسيح القائم والموجود دوما بيننا. وللتبشير بهذا الوجود، لا تكفي الصلاة الفردية، بل الصلاة ضمن الجماعة المفتداة.
32. وهذا الاحتفال الجماعي، أصله وتتويجه الاحتفال بالافخارستيا.
33. اجتماع الرسل مساء أحد القيامة هو المثال الأول لاجتماع شعب الله.
34. الاحتفال بكل قداس أمر مهم، لكن احتفال الأحد بالذات -كونه يوم قيامة المسيح- هو المثال الأعلى.
35. هكذا يصبح "يومُ الرب"، "يومَ الكنيسة". من هنا نفضّل أن تكون جميع الاحتفالات الليتورجية الخاصة يوم الأحد في كنيسة الجماعة المسيحية.
36. لذا احتفال يوم الأحد تعبير عن "سرّ الوحدة" الذي يميّز الكنيسة عندما تصلي مجتمعة، ووحدة الأسرة عندما تصلي مجتمعة، ووحدة الحركات الرسولية التي تندمج داخل صلاة الجماعة في الرعية.
37. يظهر هكذا أيضا بُعدٌ آخر من أبعاد الكنيسة، وهو كونها شعب يسير نحو الملكوت، نحو الأحد الأبدي الذي تحتفل به أورشليم السماوية.
38. لذا يوم الأحد هو أيضا يوم الرجاء، بسبب الأمل والتوجه نحو الآخرة السعيدة.
39. يتم اللقاء بالرب في الاحتفال بالافخارستيا من خلال المشاركة في مائدتين: مائدة كلام الله ومائدة القربان، والمائدتان مترابطتان.
40. من هنا علينا أن نتفحّص دور أهمية كلمة الله في الاحتفال الليتورجي من ناحية التحضير والإعلان والتفسير والفهم.
41. إعلان الكلمة هو وقت يُقيم الله فيه حوارا مع شعبه ويدعوه باستمرار إلى الارتداد وتجديد العهد.
42. والاحتفال بالقربان هو أجمل وقت تؤدي فيه الكنيسة المديح للآب وتمجده "بالمسيح ومع المسيح وفي المسيح في وحدة الروح القدس".
43. فرح الاحتفال يوم الأحد يجد تمامه في فرح القيامة وفي ذكر صنائع الله لشعبه.
44. والقربان وليمة يدعى إليها المؤمنون. لذا يحبّذ أن يقترب من يشارك في الذبيحة في تناول جسد الرب ودمه على أن يكون ذلك باستحقاق. بيد أن الاقتراب من مائدة الرب لا فائدة منه إن لم يكن تعبيرا عن المحبة الأخوية التي يجب أن تسود بين المشاركين (قبلة السلام، المصالحة....)
45. الهدف من تناول خبز الحياة هو الرسالة والشهادة على مثال تلميذي عماوس.
46. تأصلت عادة وصية المشاركة في قداس يوم الرب إلى القرون الأولى. وقد عاشها الكثيرون مرارا بروح التضحية والبطولة.
47. حثت الكنيسة أبناءها دوما على المشاركة في قداس يوم الرب، وقد أخذ ذلك شكلا قانونيا في بعض فترات تاريخ الكنيسة. وما زال كذلك حتى اليوم.
48. والصعوبات التي يواجهها بعض المؤمنين اليوم في المشاركة في وصية الأحد لا تقل عن فترات الماضي. لذا يتوجب على المسئولين أن يحثوا المؤمنين على ذلك دون تواني.
49. من جهة أخرى على الأساقفة أن يسهروا على تأمين القداس للمؤمنين يوم الأحد وأن يعطوا الاذونات والتسهيلات اللازمة لذلك (أكثر من قداس، مساء السبت...)
50. يجب أن يصطبغ قداس الأحد بصبغة الاحتفال والفرح من خلال التحضير والترتيل.
51. يعود فقط للكاهن أن يقيم الذبيحة، لكن يجب العمل على أن يشارك أكبر عدد ممكن من العلمانيين (شباب وبالغين) في تحضير قداس الأحد، كل حسب مواهبه.
52. يجب أن يشع روح المسيح المنبعث من الاحتفال الليتورجي على باقي فترات يوم الأحد (الحياة العائلية، العلاقات الاجتماعية، الراحة...)، كما يمكن القيام بنشاطات دينية أخرى غير القداس (زياح، تربية مسيحية...)
53. هنالك مشكلة الجماعات المسيحية التي لا تجد كاهنا يقيم الذبيحة. وقد حددت الكنيسة نظاما خاصا لذلك يسهر الأساقفة على السير بموجبه.
54. ومن كان لا يستطيع المشاركة شخصيا في ذبيحة القداس بسبب مرض أو شيخوخة، يمكنه مطالعة نصوص القداس أو متابعة في وسائل الإعلام حين يكون الأمر ممكنا.
الفصل الرابع: يوم الإنسان
"يوم الأحد، يوم الفرح والراحة والتضامن"
55. تركّز جميع الليتورجيات على الفرح الذي يجب أن يميّز يوم الرب.
56. وهذا الفرح لا معنى له إن لم يكن متأصلا في فرح بشرى القيامة.
57. وهذا الفرح يمتد على كل مراحل حياة المؤمن، وهو فرح يختلف عن الأفراح العابرة.
58. ومع ذلك فالفرح الفصحي لا يتعارض مع الأفراح البشرية السليمة، لا بل يضفي عليها بُعدا جديدا روحيا.
59. وهكذا نعود إلى معنى السبت الأصلي الذي هو الاحتفال بالخليقة الجديدة (التي تحققت بالقيامة). نرى هنا مجددا البعد الكريستولوجي ليوم الرب.
60. هكذا يسمح يوم الرب للمؤمن أن يتحد بالله من حيث أنه يفتح قلبه وحياته للخالق بشكل متميز.
61. العلاقة قوية ومتميزة بين يوم ارتاح الرب ويوم خلق الإنسان بالذات. فالنص الكتابي لا يذكر أن الله ارتاح إلا بعد أن خلق الإنسان. لذا عندما يرتاح الإنسان يحقق ذاته ويحقق ما أراده الله له (أن يكون على صورته ومثاله).
62. وما يقال عن السبت يقال عن الأحد الذي سار بالسبت إلى الاكتمال بالمسيح.
63. أراد المسيح أن يجدد الخلاص (الخروج) بشفائه الأسقام (يوم السبت). وفتح بذلك الباب لتفسير روحي لا حرفي لشريعة الراحة الأسبوعية.
64. أصبح يوم الأحد عيدا رسميا في الإمبراطورية الرومانية ابتداء من القرن الرابع. لكنه يبقى كذلك بالنسبة للكنيسة حتى في البلاد التي ليس الأحد فيها كذلك (بالرغم من الصعوبات). ذلك أن معناه أولاً روحي لا مدني.
65. معنى العلاقة بين يوم الراحة ويوم الرب في المجتمع المدني أوسع من المعنى المسيحي، لأنه مطبوع في طبيعة الإنسان ليرتاح ويتمتع بجمال الخليقة والخالق.
66. وعندما تتكلم الكنيسة عن يوم راحة الإنسان، تفكر في ظروف العمل الصعبة والمرهقة للكثير من بني البشر. والراحة حق بشري يشعر الجميع فيه أنهم متساوون.
67. كما تسمح الراحة باكتشاف الأشخاص والوجوه والأشياء وحتى الطبيعة بشكلها الحقيقي، الذي قد ينساه الإنسان في غمرة العمل. وهذا أمر يتطابق مع الإيمان المسيحي، على ألا يقتصر عليه فقط.
68. وهكذا يصبح يوم الراحة يوم حرية ومشاركة أخوية وتسلية سليمة. وهو بذلك يساهم في تنمية كرامة الإنسان، لذا يحق أن ندعوه "يوم الإنسان".
69. وبما أنه لا فرح دون محبة، فيوم الأحد هو أيضا يوم المحبة وأعمال الرحمة تجاه الإخوة.
70. كان التفكير بالإخوة الفقراء من أول اهتمامات المسيحيين الأوائل يوم الرب. (راجع توبيخ بولس لكورنتوس وتوبيخ مار يعقوب).
71. وهذا أمر ردده أيضا آباء الكنيسة في القرون الأولى (امبروسيوس وفم الذهب)
72. وهذه المشاركة مع المحتاج شعاع من المحبة المنبعثة من قداس الأحد. وإن كان الأحد اليوم الأكثر مناسبة للقيام بأعمال الرحمة، فباقي الأيام أيضا دعوة لعيش المحبة مع المحتاج.
73. هكذا يصبح يوم الرب مدرسة محبة وعدل وسلام. فوجود الرب القائم وسط الجماعة يشدد روابطها.
الفصل الخامس: يوم الأيام
"الأحد، يوم يكشف معنى الزمن"
74. للزمن أهمية كبيرة في المسيحية. ففيه تجسّد ابن الله وفيه ستتم نهاية العالم. وفيه عاش المسيح ناسوته. من هنا تطلق الليتورجيا على المسيح لقب "الألف والياء".
75. يوم القيامة يوم تخترق الأيام والشهور والسنوات ويحول مسارها نحو المسيح ويهيئها لليوم الأخير.
76. وبما أن الزمن يستعمل أيضا لذكرى الحوادث المهمة في حياة الأشخاص والجماعات، هكذا الأحد يعيد ذكرى أهم حدثين في الدين المسيحي (القيامة والعنصرة) والكثير من الذكريات الأخرى المرتبطة بهما.
77. هذا هو أيضا معنى السنة الطقسية التي تبدأ بالتحضير لتجسد المسيح وتنتهي بذكرى الأزمنة الأخيرة.
78. ومع ذكرى المسيح المتتابعة خلال السنة الليتورجية بأكملها، هناك مكان لذكرى والدة الإله والقديسين الذين تألموا مع المسيح وقاموا معه للحياة.
79. وما ينطبق على الأحد ينطبق على أعياد البطالة، التي تحددها المجالس الأسقفية في البلدان المختلفة.
80. وفي حال تزامن الاحتفال بيوم الرب مع احتفال ديني شعبي آخر، فعلى الرعاة أن يقوموا بالجهد الرَعوي اللازم للمحافظة على أهمية الحدثين.
خاتمة
81. يوم الأحد كما فهمته الكنيسة يوم ينير للمؤمن الطريق في كيف يعيش حياته المسيحية.
82. بروح الإيمان هذه على المؤمن أن يلزم الراحة يوم الأحد - مثله مثل باقي مواطنيه- دون أن يفقد المعنى الروحي الالتزام الديني بيوم الرب.
83. هكذا يصبح يوم الأحد مدرسة لباقي الأيام، ومثالا للمجتمع الذي أصبح في غالبيته غير مؤمن.
84. وليوم الأحد "شحنة" تبشير. فهو يدل على أن الزمن ليس وقتا مهدورا بل مناسبة لتحويل لحظات حياتنا المتتابعة إلى قيم فيها بذرة الأبدية. ومن أسبوع إلى أسبوع يقترب زمن مجيء الرب في المجد.
85. الروح القدس يسند الكنيسة في جهدها هذا المشدود نحو الأبدية، ويجدد فيها باستمرار ذكرى الرب القائم. وإن كان الروح موجودا في الكنيسة باستمرار، فوجوده فيها له مكان خاص يوم الأحد.
86. أضع هذه الرسالة تحت شفاعة مريم العذراء الموجودة هي أيضا في الكنيسة في كل احتفال أحد، (دون أي تعدي على مكانة المسيح المركزية). فحيث هناك يوم الرب ويوم الكنيسة، لا بد أن توجد أيضا أم الرب وأم الكنيسة.
87. نضع هذه الرسالة في إطار الاحتفالات باليوبيل الكبير. لا بد من إقامة احتفالات كبيرة بهذه المناسبة، والاحتفال بيوم الأحد يشكل إيقاعاً متميّزا لهذه الاحتفالات.
اطلب من الأساقفة ومن الرعاة أن يفعّلوا هذه الرسالة في جماعاتهم المؤمنة.
مع البركة الرسولية
في 31/5/1998
يوحنا بولس الثاني.