سر التوبة
: التوبة الشخصية
بالمعمودية والتثبيت نصير خليقة جديدة ، وبالافخارستيا نتحد اتحادا حميماً بيسوع المسيح وواحدنا بالآخر.ومع ذلك نختبر باستمرار اننا نبقى دون ما يطلبه منا يسوع المسيح، بل نعمل ما يناقض ما نحن عليه كمسيحيين وما تقتضيه منا ارادة الله ، وهذا الاختبار يؤلمنا. فبدلا من ان ننقاد لروح المسيح، نتبع على الدوام " روح هذا العالم ". ومع ذلك فرحمة الله هي أعظم من كل خطيئة وذنب. ومن ثم يقدم الله للذين سقطوا من بعد المعمودية في خطايا ثقيلة إمكانية ثانية للارتداد والنعمة ، وهي سر التوبة. وكثيرا ما دعا هذا السر آباء الكنيسة معمودية ثانية شاقة ، وخشبة خلاص ثانية بعد كسر السفينة من جراء الخطيئة .
لا جرم ان ممارسة التوبة وسر التوبة واقعان اليوم في ازمة عميقة. ولهذا اسباب متنوعة ، منها اعترافات لم يختبر فيها لا التحرر ولا الهناء. ولكن ثمة خصوصاً ان كثيرين من الناس يجدون اليوم صعوبة في الاقرار بأن الخطأ الذي يرتكبونه هو ذنب امام الله ، اي خطيئة. وفي كثير من الاحيان لا يتكلمون بعد على الذنب الشخصي. فالذنب والخطأ انما نبحث عنهما، ان لم يكن دوما فعلى الاقل في معظم الاحيان، " في الاخرين "، في الاعداء، في الماضي، في الطبيعة والطبع، في المحيط والعلاقات الخ. ولكن عندما لا يعود الانسان يعترف بمسؤوليته عن ذاته وعن اعماله، إذاك يقع الانساني نفسه في خطر (را: السينودس الالماني العام: رجاؤنا 5: 1، نقاط صعبة في رعائيات الاسرار اليوم ، ج1).
هذه الحالة جديرة بالاهتمام ، اذ ان يسوع قد وضع الدعوة الى التوبة في قلب تبشيره بقرب مجيء ملكوت الله. ففي كرازته بحسب انجيل مرقس ، كان يهتف قائلا: "توبوا، وآمنوا بالانجيل! " (مر1: 15). ومن ثم فالارتداد والتوبة هما من صلب كل حياة مسيحية : " ان لم ترجعوا فتصيروا كالاولاد، فلن تدخلوا ملكوت السماوات " (متى 18: 3). وهذا الارتداد يحتاج اليه ، بحسب كرازة يسوع ، الجميع بما في ذلك الصديقون الذين يعتقدون انه ليسوا بحاجة الى التوبة: " ان نحن قلنا : انا بغير خطيئة، فانما نضل انفسنا، وليس الحق فينا " (1يو 1: 8).
عندما يتكلم يسوع على الارتداد، فهو لا يفكراولا، كما كان تقليد انبياء العهد القديم ، في أعمال خارجية كالتوبة في المسح والرماد، والصوم، والاماتات، والبكاء والانتحاب، ولكنه لايفكر ايضا في مراجعة الذات والتبصر وتغيير الفكر وحسب. هذه كلها يمكن ان تكون تعابير حسّية عن الارتداد. بيد ان يسوع يقول لنا انه يجب الا نجعل صومنا استعراضا من خلال وجه مقطب ومظهر حزين (را:متى 6: 16). فالامر الحاسم في الارتداد يحدث في قلب الانسان، اي في مركز شخصه وعمق كيانه:
" ارجعوا الىّ بكل قلوبكم
وبالصوم والبكاء والانتحاب.
مزقوا قلوبكم لا ثيابكم،
وارجعوا الى الرب الهكم " (يوء 2: 12- 13).
لكن الارتداد يجب ان يظهر في عمل الصالحات، وفي التتميم الفعلي لارادة الله ، ولاسيما مقتضيات العدل والمحبة. لا ارتداد الىالله من دون الارتداد الى الاخوة والاخوات. لذلك يحثنا النبي بقوله:
" اغتسلوا وتطهروا،
وأزيلوا شر اعمالكم من امام عيني،
وكفوا عن الاساءة.
تعلموا الاحسان والتمسوا الحق،
قوّموا الظالم وانصفوا اليتيم،
وحاموا عن الارملة " (اش 16:1- 17).
ومن ثم فالامر الاساسي في التوبة يقوم ، في نظر يسوع كما في نظر انبياء العهد القديم انفسهم ونظر يوحنا المعمدان، في ارتداد حقيقي، اعني في تغيير الانسان اتجاهه تغييرا اساسيا، بالابتعاد عن الشر والعودة الى الله. في الارتداد يجب على الانسان ان يتخلى عن الالهة الخداعة التي كان يعتقد انه يستطيع ان يجد فيها امانا لكيانه واكتمالا لذاته، ليبحث في الله وحده عن المعنى والفحوى لحياته. ومن ثم فالارتداد والايمان هما وجهان للامر الواحد عينه.
والانبياء انفسهم اختبروا ان قلب الانسان قاس ومتصلب. لذلك يفترض الارتداد ان يهب الله الانسان قلبا جديدا (را: إر:24 :7، 31: 33). فالاتداد ليس عملا يمكننا القيام به بأنفسنا، انما هو هبة من الله ، انه نعمة التمكن من البدء من جديد. يجب ان يلتفت الله اولا الى الانسان برحمته ونعمته، ليتكمن من ان يتوجه الى الله. ومن ثم فالارتداد لا يعني ان نجعل الله يغير رأيه ليمنحنا المصالحة ، انما هو جوابنا نحن لله الذي يبادرنا بالمصالحة. ان عمل المصالحة النهائي قد جرى بسفك يسوع دمه " من اجل الكثيرين... لمعفرة الخطايا " (متى26: 28). ومن ثم فالله هو الله في يسوع المسيح، في صليبه وقيامته، قد صالح العالم مع نفسه بوجه نهائي (را: 2كو5: 18-19)، واقام السلام بدم المسيح (را: كو1: 20).
مثل هذا الارتداد يتم اساسا في المعمودية التي هي سر الارتداد وغفران الخطايا (را: أع2: 38). فالمعمودية تعني رفضا للشر وتوجها الى الخلاص الذي يهبنا اياه الله في يسوع المسيح بالروح القدس. ومن ثم تهبنا المعمودية بوجه نهائي الحياة الجديدة في المسيح ، تلك الحياة التي يجب ان تظهر في مقاومتنا للخطيئة وحياتنا من اجل الله (را:رو6: 6-14). في هذا المعنى، الارتداد، او كما نقول ايضا التوبة، هو مهمة دائمة يجب ان تسم حياة المسيحي كلها ومع ذلك فسرعان ما اختبرت الكنيسة ان المعمدين ايضا يستطيعون ان يتعرضوا لتجربة الخطيئة ويسقطوا فيها. غير انها عرفت ايضا ان الله غني بالرحمة (را: اف2: 4)، وانه يهب امكانية عودة جديدة للخاطيء الراغب في الارتداد. مما حمل القديس امبروسيوس على القول: " في الكنيسة ماء ودموع: ماء المعمودية ودموع التوبة ". وعلى الكنيسة كلها جمعاء ينطبق القول التالي: "انها في آن واحد مقدسة ومفتقرة دائما الى التطهير، ولا تنيء عاكفة على التوبة والتجدد " (ك8).
ان توبة المسيحي اليومية هذه يمكن ان تتم بأوجه متنوعة. فالكتاب المقدس وآباء الكنيسة يركزون خصوصا على ممارسات التوبة: الصوم، والصلاة، والاحسان
(را: طو12: 8، متى6: 1-18). علاوة على مفاعيل نعمة المعمودية الاساسية واحتمال الاستشهاد، يذكرون ايضا المصالحة مع القريب، ودموع التوبة، والاهتمام بخلاص القريب، وصلوات القديسين، والمحبة. وعلاوة على ذلك يذكر التقليد الحي خصوصا قراءة الكتاب المقدس وصلاة الـ "ابانا". كما يجب ايضا ذكر ما يلهمه الايمان من اعمال توبة في مجال الحياة اليومي، كتغيير الذهن والاقرار العام بالذنب والخطيئة ، ومبادرات المصالحة ، والاعتراف الاخوي والتنبيه الاخوي. ويمكن ايضا التعبير عن التوبة من خلال بعض طرق السلوك الروحي في الحياة ، كمراجعة الحياة، والاقرار بالذنب امام الاخوة، والاسترشاد الروحي. ويجب الا ننسى ما يستتبعه على صعيد الاخلاق التوجيه الجديد للحياة : كتغيير نمط الحياة ، والتقشف والتجرد في اوجه كثيرة، واعمال محبة القريب ، وافعال الرحمة ، والتكفير والتعويض .
كل انواع التوبة اليومية هذه يجب ان تصب في الاحتفال المشترك بالافخارستيا. فهي " ذبيحة مصالحتنا " (الصلاة الافخارستيا الثانية) ، لانها تجعل حاضرة ذبيحة يسوع المسيح المقدمة مرة وعلى نحو نهائي. لذلك يمنح الاشتراك في الافخارستيا، وخصوصا المناولة، مغفرة الخطايا اليومية ، ويحفظ من الخطايا الثقيلة (را: دنتسنغر 1638). وهذا ما يعبر عنه فعل التوبة الذي يستهل كل احتفال افخارستي. والى جانب ذلك ثمة ايضا سبل دينية اخرى لمغفرة الخطايا. فهناك ، بالاضافة الى رتب التوبة، العودة الى الذات والصلاة، وطلبات الكنيسة، وصلاة الساعات، وقراءة الكتاب المقدس والتأمل فيه .
ان ازمة التوبة وأيام التوبة في الكنيسة على مدار السنة الليتورجية (زمن المجيء قبل الميلاد، زمن التوبة قبل الفصح ، يوم الجمعة على انه يوم موت الرب) هي اوقات مميزة لممارسة التوبة في الكنيسة (را: ل109- 110). هذه الازمنة والايام هي فرص ملائمة للرياضات الروحية ، وأيام الخلوة ، ورتب التوبة ، وزيارات التوبة الى اماكن الحج المقدسة، والتجرد عن وسائل الاستهلاك ، والمشاركة الاخوية مع مؤسسات الاحسان (Misereor ميزيريور، Adveniat ادفينيات، Missio ميسيو، كاريتاس وغيرها).
ماهو مشترك في كل هذه الانواع المختلفة من التعبير عن التوبة هو ان الخاطيء ينقاد فيها لروح يسوع المسيح ، ويعبر عن هذا الانقياد في ارتداد الذهن الشخصي وفي اعمال التوبة الجسدية . لذلك يجب ان تتم جميع انواع التوبة المسيحية على الاقل في بدايتها وفي نواتها بدافع الايمان والرجاء والمحبة .
ومن ثم فكل اشكال التوبة لها بنية اساسية مشتركة: ادراك الذنب – الندامة عما ارتكب او اهمل – الاقرار بالذنب – الاستعداد لتغيير الحياة، بما في ذلك التعويض عما ألحق من ضرر على قدر الامكان ، مع العلم ان التعويض في الاساس امر لابد منه – طلب المسامحة – تقبل هبة المصالحة – الشكر للمغفرة الممنوحة – الحياة في طاعة جديدة . ومن ثم فالتوبة طريق لا نسير فيه بمفردنا بل في مشاركة جميع اعضاء الكنيسة. هذا البعد الكنسي يعبر عنه خصوصا سر التوبة، الذي تجد فيه التوبة الشخصية كثافتها الاسرارية .
التوبة الاسرارية
تُنبئنا الاناجيل ان يسوع قد غفر لبعض الناس خطاياهم: "مغفورة لك خطاياك ! "
(مر2: 5، لو7: 48). ولكنه اعطى " الناس " ايضا هذا السلطان (متى 9: 8). فعلى الكنيسة بمجملها ان تكون علامة واداة للمصالحة. بيد ان هذا السلطان قد اعطي بنوع خاص للرسل. فإليهم عُهد في " خدمة المصالحة " (2كو 5: 18). وهم مرسلون " كسفراء للمسيح، كأنما الله يعظ بهم... فتصالحوا مع الله " (2كو5: 20). ومن ثم تعيد الكنيسة سلطان خدمة غفران الخطايا الكنسية الى الرب القائم من بين الاموات نفسه:
" خذوا الروح القدس! فمن غفرتم خطاياهم غُفرت لهم، ومن امسكتم خطاياهم امسكت " (يو20: 22-23).
وقد اكتست ايضا مغفرة الخطايا منذ يسوع نفسه دوما طابعا جماعيا. فيسوع يصالح الخطأة مع الله ، فيما يقبلهم في شركة الطعام معه وبعضهم مع بعض. فالخاطيء ينعزل عن الله وعن اخوته. بخطيئته تتزعزع شركة شعب الله وتُجرح حياتها بالقداسة. ومن ثم يُقصى الخاطيء عن كمال شركة الكنيسة ( را: 1كو5: 1-13، 2كو2: 5-11، 7: 10-13)، وبنوع خاص لا يستطيع من بعد الاشتراك اشتراكا كاملا في الافخارستيا، سر الوحدة والمحبة. ولذلك على التائب ان يعود في التوبة ثانية الى الطريق الذي فيه اولاً حصل على المصالحة. عليه ان يتصالح مع اخوته، ليدخل من جديد في الشركة مع الله. ومن جهة ثانية بمغفرة الله لنا "نتصالح فيالوقت عينه مع الكنيسة" ، التي جرحتها الخطيئة، والتي تسهم في ارتداد الخطأة بمحبتها ومثالها وصلاتها (ك11). هذه البنية الجماعية وهذا البعد الكنسي للتوبة يعبر عنهما بنوع خاص قول يسوع لبطرس:
" سأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات: فكل ما ربطته على الارض يكون مربوطا في السماوات، وكل ما حللته على الارض يكون محلولا في السماوات " (متى16: 19).
وينطبق هذا على الكنيسة بمجملها (را: متى18: 18). والمقصود من تعبير الحل والربط هذا هو ان كل من تقصونه (ربط = أقصى ) من شركتكم ، يكون مُقصى من شركة الله ، ومن تقبلونه ثانية في شركتكم ( = تحلّون رباطه)، يقبله الله ايضا في شركته. ومن ثم فالمصالحة ثانية مع الكنيسة هي طريق المصالحة مع الله. هذه الناحية تعبر عنها تعبيرا حسنا التوبة الكنسية العلنية في الكنيسة القديمة. كما تتلائم معها صيغة الحلّة الاسرارية المفروضة منذ سنة 1972: "ليمنحك المغفرة والسلام بواسطة خدمة الكنيسة ".
لسر التوبة تاريخ طويل ومعقد ، مرّ في خلاله بتغييرات كثيرة ، بيد ان بنية هذا السر الاساسية قد حافظت على ناحيتين جوهريتين: فسر التوبة يقوم من جهة في فعل الارتداد الانساني الذي يتم بفضل النعمة ، والذي يتضمن الندامة والاقرار والتعويض ، ومن جهة اخرى في عمل الكنيسة ، أي في مغفرة الخطايا التي تمنحها، باسم يسوع المسيح، الجماعة الكنسية برعاية الاسقف والكاهن ، فتحدد اشكال التعويض الضرورية ، وتصلي من اجل الخاطىء وتتوب معه ، لتعلن اخيرا قبوله في الشركة الكنسية الكاملة ومسامحة خطاياه. من ثم فسر التوبة هو في آن واحد فعل شخصي واحتفال كنسي وليتورجي بالتوبة. ولذلك يعلم المجمع التريدنتيني ان ما يقوم به التائب من ندامة وإقرار وتعويض هو " في آن معا مادة هذا السر "، فيما الحلّة التي يمنحها الكاهن تشكل صورة سر التوبة (را: دنتسنغر 1673). وتقوم ثمرة هذا السر في المصالحة مع الله ومع الكنيسة. وكثيرا ما يرافقها سلام وهناء في الضمير وتعزية كبيرة في النفس (را: دنتسنغر 1674- 1675).
ولنحاول الان ان نتقصى سر التوبة لنصف عناصره وصفا أدق كلاًّ بمفرده . من بين الافعال التي يقوم بها التائب تأتي اولا الندامة. انها "ألم النفس والاسف للخطيئة المرتكبة، والقصد بعدم الخطيئة من بعد ". هذه الندامة تدعى ندامة كاملة ، متى كان الدافع اليها المحبة التي يهبها الله (ندامة المحبة ). هذه الندامة قادرة على مغفرة الخطايا اليومية ،وتمنح ايضا مغفرة الخطايا الثقيلة، اذا رافقها القصد الثابت بالتقرب من سر الاعتراف. وتدعى ندامة غير كاملة، متى كان الباعث لها ادراك كره الخطيئة او الخوف من الهلاك الابدي ومن عقوبات اخرى (ندامة الخوف). مثل هذا التأثر في الضمير قد يشكل بداية اولى تكتمل بموهبة النعمة، وخصوصا بإعلان مغفرة الخطايا في سر التوبة. غير ان ندامة الخوف لاقدرة لها من ذاتها على مغفرة الخطايا.
الاقرار بالذنب له من الناحية الانسانية المحض مفعول محرر ومصالح. بالاقرار يقف الانسان بإزاء ماضيه ويتحمل مسؤولية ما اقترفه، وفي الوقت عينه ينفتح ثانية على الله وعلى جماعة الكنيسة، للانطلاق في مستقبل جديد. مثل هذا الاقرار، بحسب تعليم الكنيسة، هو جزء اساسي من سر التوبة، ولايمكن للتائب الاستغناء عنه اذا اراد ان يسلم امره لحكم نعمة الله
(را: دنتسنغر 1679، 1706). ومن ثم فمن الضروري الاقرار بالخطايا الثقيلة (الخطايا المميتة ) ، التي يتذكرها المعترف، بعد فحص للضمير دقيق ، اقرارا دقيقا يوضح عددها ونوعيتها والظروف المحيطة بها (را: دنتسنغر 1707). وكل مؤمن ، بموجب وصية الكنيسة، "متى بلغ سن التمييز ملزم بالاعتراف بخطاياه اعترافا صحيحا على الاقل مرة في السنة " (ح ق ل، ق 989). الاعتراف بالخطايا اليومية (الخطايا العرضية)، التي لا تفصلنا عن شركة الله، ليس الزاميا، ولكن الكنيسة تحث عليه لفائدته. هذا الاعتراف المدعو اعترافا تقويا هو عون اساسي لتثقيف الضمير والنمو في الحياة الروحية. وينصح به جدا، وينبغي ان يحدد له مكان ثابت في ازمنة التوبة في السنة الطقسية.
بالتعويض يجب ان يصحح ، قدر الامكان وبالطريقة الملائمة، الضرر الذي الحقته الخطيئة او الشك الذي أثارته (مثلا بإعادة الشي المسروق، وارجاع الصيت الحسن للاخرين) . والتعويض يساعد ايضا على التدرب في الحياة الجديدة ، وهو وسيلة خلاصية ضد العنف. لذلك يجب ان يكون عمل التعويض، ما أمكن، مناسبا لثقل الخطايا ونوعيتها. فقد يكون صلاة او تقدمة او تخليا عن شي ما ، او خدمة للقريب او عمل رحمة. وهذا التعويض ليس عملا انسانيا خاصا نستحق به المغفرة ، انما هو بالحري ثمرة التوبة التي يؤتيها ويهبها روح الله ، وهو الدليل عليها.
حلّة الكاهن في سر التوبة ليست مجرد كرازة بانجيل مغفرة الخطايا، ولا مجرد اعلان بأن الله قد غفر الخطايا، انما، بفعل كونها- وفاقا لتعليم الكنيسة- اعادة قبول في الشركة الكنسية الكاملة، هي حكم لايمكن ان يصدره الا من يعمل باسم يسوع المسيح من اجل الجماعة الكنسية كلها (را: دنتسنغر 1685، 1709-1710). ان سر التوبة هو حكم، ولكنه حكم نعمة، يلتفت فيه الله الاب الرحيم الى الخاطىء بعين الرأفة، نظرا لموت يسوع المسيح وقيامته. ومن ثم فالمعرف هو في آن واحد بمثابة قاضٍ وطبيب .فهو يمثل يسوع المسيح، الذي سفك دمه على الصليب من اجل الخطأة. لذلك عليه ان يعلن للمعترف بشارة المغفرة ويفسرها له، ويساعده بنصائحه على ان يسلك في حياة جديدة ، ويصلي لاجله ويتوب عنه، ويمنحه اخيرا في الحلّة بأسم يسوع المسيح مغفرة خطاياه.
: التوبة الشخصية
بالمعمودية والتثبيت نصير خليقة جديدة ، وبالافخارستيا نتحد اتحادا حميماً بيسوع المسيح وواحدنا بالآخر.ومع ذلك نختبر باستمرار اننا نبقى دون ما يطلبه منا يسوع المسيح، بل نعمل ما يناقض ما نحن عليه كمسيحيين وما تقتضيه منا ارادة الله ، وهذا الاختبار يؤلمنا. فبدلا من ان ننقاد لروح المسيح، نتبع على الدوام " روح هذا العالم ". ومع ذلك فرحمة الله هي أعظم من كل خطيئة وذنب. ومن ثم يقدم الله للذين سقطوا من بعد المعمودية في خطايا ثقيلة إمكانية ثانية للارتداد والنعمة ، وهي سر التوبة. وكثيرا ما دعا هذا السر آباء الكنيسة معمودية ثانية شاقة ، وخشبة خلاص ثانية بعد كسر السفينة من جراء الخطيئة .
لا جرم ان ممارسة التوبة وسر التوبة واقعان اليوم في ازمة عميقة. ولهذا اسباب متنوعة ، منها اعترافات لم يختبر فيها لا التحرر ولا الهناء. ولكن ثمة خصوصاً ان كثيرين من الناس يجدون اليوم صعوبة في الاقرار بأن الخطأ الذي يرتكبونه هو ذنب امام الله ، اي خطيئة. وفي كثير من الاحيان لا يتكلمون بعد على الذنب الشخصي. فالذنب والخطأ انما نبحث عنهما، ان لم يكن دوما فعلى الاقل في معظم الاحيان، " في الاخرين "، في الاعداء، في الماضي، في الطبيعة والطبع، في المحيط والعلاقات الخ. ولكن عندما لا يعود الانسان يعترف بمسؤوليته عن ذاته وعن اعماله، إذاك يقع الانساني نفسه في خطر (را: السينودس الالماني العام: رجاؤنا 5: 1، نقاط صعبة في رعائيات الاسرار اليوم ، ج1).
هذه الحالة جديرة بالاهتمام ، اذ ان يسوع قد وضع الدعوة الى التوبة في قلب تبشيره بقرب مجيء ملكوت الله. ففي كرازته بحسب انجيل مرقس ، كان يهتف قائلا: "توبوا، وآمنوا بالانجيل! " (مر1: 15). ومن ثم فالارتداد والتوبة هما من صلب كل حياة مسيحية : " ان لم ترجعوا فتصيروا كالاولاد، فلن تدخلوا ملكوت السماوات " (متى 18: 3). وهذا الارتداد يحتاج اليه ، بحسب كرازة يسوع ، الجميع بما في ذلك الصديقون الذين يعتقدون انه ليسوا بحاجة الى التوبة: " ان نحن قلنا : انا بغير خطيئة، فانما نضل انفسنا، وليس الحق فينا " (1يو 1: 8).
عندما يتكلم يسوع على الارتداد، فهو لا يفكراولا، كما كان تقليد انبياء العهد القديم ، في أعمال خارجية كالتوبة في المسح والرماد، والصوم، والاماتات، والبكاء والانتحاب، ولكنه لايفكر ايضا في مراجعة الذات والتبصر وتغيير الفكر وحسب. هذه كلها يمكن ان تكون تعابير حسّية عن الارتداد. بيد ان يسوع يقول لنا انه يجب الا نجعل صومنا استعراضا من خلال وجه مقطب ومظهر حزين (را:متى 6: 16). فالامر الحاسم في الارتداد يحدث في قلب الانسان، اي في مركز شخصه وعمق كيانه:
" ارجعوا الىّ بكل قلوبكم
وبالصوم والبكاء والانتحاب.
مزقوا قلوبكم لا ثيابكم،
وارجعوا الى الرب الهكم " (يوء 2: 12- 13).
لكن الارتداد يجب ان يظهر في عمل الصالحات، وفي التتميم الفعلي لارادة الله ، ولاسيما مقتضيات العدل والمحبة. لا ارتداد الىالله من دون الارتداد الى الاخوة والاخوات. لذلك يحثنا النبي بقوله:
" اغتسلوا وتطهروا،
وأزيلوا شر اعمالكم من امام عيني،
وكفوا عن الاساءة.
تعلموا الاحسان والتمسوا الحق،
قوّموا الظالم وانصفوا اليتيم،
وحاموا عن الارملة " (اش 16:1- 17).
ومن ثم فالامر الاساسي في التوبة يقوم ، في نظر يسوع كما في نظر انبياء العهد القديم انفسهم ونظر يوحنا المعمدان، في ارتداد حقيقي، اعني في تغيير الانسان اتجاهه تغييرا اساسيا، بالابتعاد عن الشر والعودة الى الله. في الارتداد يجب على الانسان ان يتخلى عن الالهة الخداعة التي كان يعتقد انه يستطيع ان يجد فيها امانا لكيانه واكتمالا لذاته، ليبحث في الله وحده عن المعنى والفحوى لحياته. ومن ثم فالارتداد والايمان هما وجهان للامر الواحد عينه.
والانبياء انفسهم اختبروا ان قلب الانسان قاس ومتصلب. لذلك يفترض الارتداد ان يهب الله الانسان قلبا جديدا (را: إر:24 :7، 31: 33). فالاتداد ليس عملا يمكننا القيام به بأنفسنا، انما هو هبة من الله ، انه نعمة التمكن من البدء من جديد. يجب ان يلتفت الله اولا الى الانسان برحمته ونعمته، ليتكمن من ان يتوجه الى الله. ومن ثم فالارتداد لا يعني ان نجعل الله يغير رأيه ليمنحنا المصالحة ، انما هو جوابنا نحن لله الذي يبادرنا بالمصالحة. ان عمل المصالحة النهائي قد جرى بسفك يسوع دمه " من اجل الكثيرين... لمعفرة الخطايا " (متى26: 28). ومن ثم فالله هو الله في يسوع المسيح، في صليبه وقيامته، قد صالح العالم مع نفسه بوجه نهائي (را: 2كو5: 18-19)، واقام السلام بدم المسيح (را: كو1: 20).
مثل هذا الارتداد يتم اساسا في المعمودية التي هي سر الارتداد وغفران الخطايا (را: أع2: 38). فالمعمودية تعني رفضا للشر وتوجها الى الخلاص الذي يهبنا اياه الله في يسوع المسيح بالروح القدس. ومن ثم تهبنا المعمودية بوجه نهائي الحياة الجديدة في المسيح ، تلك الحياة التي يجب ان تظهر في مقاومتنا للخطيئة وحياتنا من اجل الله (را:رو6: 6-14). في هذا المعنى، الارتداد، او كما نقول ايضا التوبة، هو مهمة دائمة يجب ان تسم حياة المسيحي كلها ومع ذلك فسرعان ما اختبرت الكنيسة ان المعمدين ايضا يستطيعون ان يتعرضوا لتجربة الخطيئة ويسقطوا فيها. غير انها عرفت ايضا ان الله غني بالرحمة (را: اف2: 4)، وانه يهب امكانية عودة جديدة للخاطيء الراغب في الارتداد. مما حمل القديس امبروسيوس على القول: " في الكنيسة ماء ودموع: ماء المعمودية ودموع التوبة ". وعلى الكنيسة كلها جمعاء ينطبق القول التالي: "انها في آن واحد مقدسة ومفتقرة دائما الى التطهير، ولا تنيء عاكفة على التوبة والتجدد " (ك8).
ان توبة المسيحي اليومية هذه يمكن ان تتم بأوجه متنوعة. فالكتاب المقدس وآباء الكنيسة يركزون خصوصا على ممارسات التوبة: الصوم، والصلاة، والاحسان
(را: طو12: 8، متى6: 1-18). علاوة على مفاعيل نعمة المعمودية الاساسية واحتمال الاستشهاد، يذكرون ايضا المصالحة مع القريب، ودموع التوبة، والاهتمام بخلاص القريب، وصلوات القديسين، والمحبة. وعلاوة على ذلك يذكر التقليد الحي خصوصا قراءة الكتاب المقدس وصلاة الـ "ابانا". كما يجب ايضا ذكر ما يلهمه الايمان من اعمال توبة في مجال الحياة اليومي، كتغيير الذهن والاقرار العام بالذنب والخطيئة ، ومبادرات المصالحة ، والاعتراف الاخوي والتنبيه الاخوي. ويمكن ايضا التعبير عن التوبة من خلال بعض طرق السلوك الروحي في الحياة ، كمراجعة الحياة، والاقرار بالذنب امام الاخوة، والاسترشاد الروحي. ويجب الا ننسى ما يستتبعه على صعيد الاخلاق التوجيه الجديد للحياة : كتغيير نمط الحياة ، والتقشف والتجرد في اوجه كثيرة، واعمال محبة القريب ، وافعال الرحمة ، والتكفير والتعويض .
كل انواع التوبة اليومية هذه يجب ان تصب في الاحتفال المشترك بالافخارستيا. فهي " ذبيحة مصالحتنا " (الصلاة الافخارستيا الثانية) ، لانها تجعل حاضرة ذبيحة يسوع المسيح المقدمة مرة وعلى نحو نهائي. لذلك يمنح الاشتراك في الافخارستيا، وخصوصا المناولة، مغفرة الخطايا اليومية ، ويحفظ من الخطايا الثقيلة (را: دنتسنغر 1638). وهذا ما يعبر عنه فعل التوبة الذي يستهل كل احتفال افخارستي. والى جانب ذلك ثمة ايضا سبل دينية اخرى لمغفرة الخطايا. فهناك ، بالاضافة الى رتب التوبة، العودة الى الذات والصلاة، وطلبات الكنيسة، وصلاة الساعات، وقراءة الكتاب المقدس والتأمل فيه .
ان ازمة التوبة وأيام التوبة في الكنيسة على مدار السنة الليتورجية (زمن المجيء قبل الميلاد، زمن التوبة قبل الفصح ، يوم الجمعة على انه يوم موت الرب) هي اوقات مميزة لممارسة التوبة في الكنيسة (را: ل109- 110). هذه الازمنة والايام هي فرص ملائمة للرياضات الروحية ، وأيام الخلوة ، ورتب التوبة ، وزيارات التوبة الى اماكن الحج المقدسة، والتجرد عن وسائل الاستهلاك ، والمشاركة الاخوية مع مؤسسات الاحسان (Misereor ميزيريور، Adveniat ادفينيات، Missio ميسيو، كاريتاس وغيرها).
ماهو مشترك في كل هذه الانواع المختلفة من التعبير عن التوبة هو ان الخاطيء ينقاد فيها لروح يسوع المسيح ، ويعبر عن هذا الانقياد في ارتداد الذهن الشخصي وفي اعمال التوبة الجسدية . لذلك يجب ان تتم جميع انواع التوبة المسيحية على الاقل في بدايتها وفي نواتها بدافع الايمان والرجاء والمحبة .
ومن ثم فكل اشكال التوبة لها بنية اساسية مشتركة: ادراك الذنب – الندامة عما ارتكب او اهمل – الاقرار بالذنب – الاستعداد لتغيير الحياة، بما في ذلك التعويض عما ألحق من ضرر على قدر الامكان ، مع العلم ان التعويض في الاساس امر لابد منه – طلب المسامحة – تقبل هبة المصالحة – الشكر للمغفرة الممنوحة – الحياة في طاعة جديدة . ومن ثم فالتوبة طريق لا نسير فيه بمفردنا بل في مشاركة جميع اعضاء الكنيسة. هذا البعد الكنسي يعبر عنه خصوصا سر التوبة، الذي تجد فيه التوبة الشخصية كثافتها الاسرارية .
التوبة الاسرارية
تُنبئنا الاناجيل ان يسوع قد غفر لبعض الناس خطاياهم: "مغفورة لك خطاياك ! "
(مر2: 5، لو7: 48). ولكنه اعطى " الناس " ايضا هذا السلطان (متى 9: 8). فعلى الكنيسة بمجملها ان تكون علامة واداة للمصالحة. بيد ان هذا السلطان قد اعطي بنوع خاص للرسل. فإليهم عُهد في " خدمة المصالحة " (2كو 5: 18). وهم مرسلون " كسفراء للمسيح، كأنما الله يعظ بهم... فتصالحوا مع الله " (2كو5: 20). ومن ثم تعيد الكنيسة سلطان خدمة غفران الخطايا الكنسية الى الرب القائم من بين الاموات نفسه:
" خذوا الروح القدس! فمن غفرتم خطاياهم غُفرت لهم، ومن امسكتم خطاياهم امسكت " (يو20: 22-23).
وقد اكتست ايضا مغفرة الخطايا منذ يسوع نفسه دوما طابعا جماعيا. فيسوع يصالح الخطأة مع الله ، فيما يقبلهم في شركة الطعام معه وبعضهم مع بعض. فالخاطيء ينعزل عن الله وعن اخوته. بخطيئته تتزعزع شركة شعب الله وتُجرح حياتها بالقداسة. ومن ثم يُقصى الخاطيء عن كمال شركة الكنيسة ( را: 1كو5: 1-13، 2كو2: 5-11، 7: 10-13)، وبنوع خاص لا يستطيع من بعد الاشتراك اشتراكا كاملا في الافخارستيا، سر الوحدة والمحبة. ولذلك على التائب ان يعود في التوبة ثانية الى الطريق الذي فيه اولاً حصل على المصالحة. عليه ان يتصالح مع اخوته، ليدخل من جديد في الشركة مع الله. ومن جهة ثانية بمغفرة الله لنا "نتصالح فيالوقت عينه مع الكنيسة" ، التي جرحتها الخطيئة، والتي تسهم في ارتداد الخطأة بمحبتها ومثالها وصلاتها (ك11). هذه البنية الجماعية وهذا البعد الكنسي للتوبة يعبر عنهما بنوع خاص قول يسوع لبطرس:
" سأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات: فكل ما ربطته على الارض يكون مربوطا في السماوات، وكل ما حللته على الارض يكون محلولا في السماوات " (متى16: 19).
وينطبق هذا على الكنيسة بمجملها (را: متى18: 18). والمقصود من تعبير الحل والربط هذا هو ان كل من تقصونه (ربط = أقصى ) من شركتكم ، يكون مُقصى من شركة الله ، ومن تقبلونه ثانية في شركتكم ( = تحلّون رباطه)، يقبله الله ايضا في شركته. ومن ثم فالمصالحة ثانية مع الكنيسة هي طريق المصالحة مع الله. هذه الناحية تعبر عنها تعبيرا حسنا التوبة الكنسية العلنية في الكنيسة القديمة. كما تتلائم معها صيغة الحلّة الاسرارية المفروضة منذ سنة 1972: "ليمنحك المغفرة والسلام بواسطة خدمة الكنيسة ".
لسر التوبة تاريخ طويل ومعقد ، مرّ في خلاله بتغييرات كثيرة ، بيد ان بنية هذا السر الاساسية قد حافظت على ناحيتين جوهريتين: فسر التوبة يقوم من جهة في فعل الارتداد الانساني الذي يتم بفضل النعمة ، والذي يتضمن الندامة والاقرار والتعويض ، ومن جهة اخرى في عمل الكنيسة ، أي في مغفرة الخطايا التي تمنحها، باسم يسوع المسيح، الجماعة الكنسية برعاية الاسقف والكاهن ، فتحدد اشكال التعويض الضرورية ، وتصلي من اجل الخاطىء وتتوب معه ، لتعلن اخيرا قبوله في الشركة الكنسية الكاملة ومسامحة خطاياه. من ثم فسر التوبة هو في آن واحد فعل شخصي واحتفال كنسي وليتورجي بالتوبة. ولذلك يعلم المجمع التريدنتيني ان ما يقوم به التائب من ندامة وإقرار وتعويض هو " في آن معا مادة هذا السر "، فيما الحلّة التي يمنحها الكاهن تشكل صورة سر التوبة (را: دنتسنغر 1673). وتقوم ثمرة هذا السر في المصالحة مع الله ومع الكنيسة. وكثيرا ما يرافقها سلام وهناء في الضمير وتعزية كبيرة في النفس (را: دنتسنغر 1674- 1675).
ولنحاول الان ان نتقصى سر التوبة لنصف عناصره وصفا أدق كلاًّ بمفرده . من بين الافعال التي يقوم بها التائب تأتي اولا الندامة. انها "ألم النفس والاسف للخطيئة المرتكبة، والقصد بعدم الخطيئة من بعد ". هذه الندامة تدعى ندامة كاملة ، متى كان الدافع اليها المحبة التي يهبها الله (ندامة المحبة ). هذه الندامة قادرة على مغفرة الخطايا اليومية ،وتمنح ايضا مغفرة الخطايا الثقيلة، اذا رافقها القصد الثابت بالتقرب من سر الاعتراف. وتدعى ندامة غير كاملة، متى كان الباعث لها ادراك كره الخطيئة او الخوف من الهلاك الابدي ومن عقوبات اخرى (ندامة الخوف). مثل هذا التأثر في الضمير قد يشكل بداية اولى تكتمل بموهبة النعمة، وخصوصا بإعلان مغفرة الخطايا في سر التوبة. غير ان ندامة الخوف لاقدرة لها من ذاتها على مغفرة الخطايا.
الاقرار بالذنب له من الناحية الانسانية المحض مفعول محرر ومصالح. بالاقرار يقف الانسان بإزاء ماضيه ويتحمل مسؤولية ما اقترفه، وفي الوقت عينه ينفتح ثانية على الله وعلى جماعة الكنيسة، للانطلاق في مستقبل جديد. مثل هذا الاقرار، بحسب تعليم الكنيسة، هو جزء اساسي من سر التوبة، ولايمكن للتائب الاستغناء عنه اذا اراد ان يسلم امره لحكم نعمة الله
(را: دنتسنغر 1679، 1706). ومن ثم فمن الضروري الاقرار بالخطايا الثقيلة (الخطايا المميتة ) ، التي يتذكرها المعترف، بعد فحص للضمير دقيق ، اقرارا دقيقا يوضح عددها ونوعيتها والظروف المحيطة بها (را: دنتسنغر 1707). وكل مؤمن ، بموجب وصية الكنيسة، "متى بلغ سن التمييز ملزم بالاعتراف بخطاياه اعترافا صحيحا على الاقل مرة في السنة " (ح ق ل، ق 989). الاعتراف بالخطايا اليومية (الخطايا العرضية)، التي لا تفصلنا عن شركة الله، ليس الزاميا، ولكن الكنيسة تحث عليه لفائدته. هذا الاعتراف المدعو اعترافا تقويا هو عون اساسي لتثقيف الضمير والنمو في الحياة الروحية. وينصح به جدا، وينبغي ان يحدد له مكان ثابت في ازمنة التوبة في السنة الطقسية.
بالتعويض يجب ان يصحح ، قدر الامكان وبالطريقة الملائمة، الضرر الذي الحقته الخطيئة او الشك الذي أثارته (مثلا بإعادة الشي المسروق، وارجاع الصيت الحسن للاخرين) . والتعويض يساعد ايضا على التدرب في الحياة الجديدة ، وهو وسيلة خلاصية ضد العنف. لذلك يجب ان يكون عمل التعويض، ما أمكن، مناسبا لثقل الخطايا ونوعيتها. فقد يكون صلاة او تقدمة او تخليا عن شي ما ، او خدمة للقريب او عمل رحمة. وهذا التعويض ليس عملا انسانيا خاصا نستحق به المغفرة ، انما هو بالحري ثمرة التوبة التي يؤتيها ويهبها روح الله ، وهو الدليل عليها.
حلّة الكاهن في سر التوبة ليست مجرد كرازة بانجيل مغفرة الخطايا، ولا مجرد اعلان بأن الله قد غفر الخطايا، انما، بفعل كونها- وفاقا لتعليم الكنيسة- اعادة قبول في الشركة الكنسية الكاملة، هي حكم لايمكن ان يصدره الا من يعمل باسم يسوع المسيح من اجل الجماعة الكنسية كلها (را: دنتسنغر 1685، 1709-1710). ان سر التوبة هو حكم، ولكنه حكم نعمة، يلتفت فيه الله الاب الرحيم الى الخاطىء بعين الرأفة، نظرا لموت يسوع المسيح وقيامته. ومن ثم فالمعرف هو في آن واحد بمثابة قاضٍ وطبيب .فهو يمثل يسوع المسيح، الذي سفك دمه على الصليب من اجل الخطأة. لذلك عليه ان يعلن للمعترف بشارة المغفرة ويفسرها له، ويساعده بنصائحه على ان يسلك في حياة جديدة ، ويصلي لاجله ويتوب عنه، ويمنحه اخيرا في الحلّة بأسم يسوع المسيح مغفرة خطاياه.