الأسانيد العقائدية حول إشكالية انبثاق الروح القدس من الآب والابن
...كنيسة مار جرجس الكاثوليك بالشورانية
الاب مجدى فوزى
العقائد الإيمانية التي تعلمها الكنيسة لابد أن يكون لها أساس، في الكتاب المقدس بصورة واضحة ومباشرة أو بصورة ضمنية، وكذلك في شهادة الوحي الإلهي: من خلال التقليد الكنسي الذي يتضمن أقوال الآباء- الطقس الكنسي.....الخ.
أ. الكتاب المقدس العهد الجديد
1. الروح القدس روح الابن كما هو روح الآب
تشهد الأناجيل المقدسة ورسائل القديس بولس، على أن الروح القدس، بالرغم من أنه الأقنوم الثالث، أقنوم متميز، إلا إنه هو أيضا روح الابن كما هو روح الآب. ونورد الآن الشواهد على أن الروح القدس هو روح الآب والابن معاً مما يدل على أنه ينبثق منهما.
الروح القدس روح الله الآب
· · · · · · · الروح القدس هو روح الابن أيضاً
· · · والدليل على كونكم أبناء الله أرسلروح ابنه إلى قلوبنا الروح الذي ينادى يا أبت»
· · إذا كانت هذه الشهادات الإنجيلية المقدسة تشهد بأن الروح القدس هو روح الآب وروح الابن في الوقت ذاته، فهذا يعني أنها تؤكد أن الروح القدس ينبثق من الاثنين معاً، وإلا لما كان هناك تساوي بين الآب والابن في الجوهر.
أقر بعض آباء الكنيسة، من الشرق ومن الغرب معاً، أن الروح القدس بما أنه روح الابن كما هو روح الآب فإنه ينبثق من الابن كما ينبثق من الآب، نذكر تعليق ثلاثة منهم على آيات الكتاب المقدس التي تشهد بأن الروح القدس هو روح الآب والابن معا:
القديس أثناسيوس الرسولي: في كتابه "الثالوث والروح القدس" يقول:«....حاشا لنا أن نقول عن الروح القدس أنه مخلوق. وقد علمنا من الكتب المقدسة أنه نسمة ابن الله فنقول إذاً الابن أيضاً هو مصدر الروح». وفي رسالته الثالثة إلى سيرابيون يقول:«إن الذي قيل له روح الآب هو روح الابن لان الابن قال روح الحق الذي من الآب ينبثق»[1]. بما أن المسيح هو نفسه الحق فالمقصود بروح الحق روح المسيح «أنا هو الطريق والحق والحياة» (يوحنا 14/6).
القديس كيرلس السكندري:«كما أن روح الابن هو خاص به لا يُعطى له من الخارج كما يُعطى لنا، بل هو قائم فيه بالطبيعة ومنه منبثق، كذلك هو روح الآب»[2].
القديس أغسطينوس: في كتابه “الثالوث “ يقول:«لا يجوز القول أن الروح القدس لا ينبثق من الابن إذ إنه لم يقل عبثاً أنه روح الآب والابن معاً»، وأيضاً يكمل بقوله:«إن الروح القدس إذا لحظنا أن الاسم خاص به هو في الثالوث ويُنسب إلى الآب والابن لان الروح القدس هو روح الآب والابن»[3]. كان هذا تعليق الآباء على شهادات الكتاب المقدس، العهد الجديد، على أن الروح القدس ينبثق من الآب والابن معاً لأنه روح الابن كما هو روح الآب.
2. المساواة في الجوهر بين الآب والابن
تتفق الكنائس الرسولية (كاثوليك- أرثوذكس) بل والبروتستانتية أيضاً، أن الآب والابن هما جوهر واحد، ليس هناك مَن هو أعلى أو أقل، فالآب والابن متساويان في الجوهر وإن اختلافا في أدوارهما. ودليل على ذلك أقوال السيد المسيح في الإنجيل ونورد منها الآتي:
· · · · · إن تأكيد السيد المسيح على وحدة الجوهر بينه وبين الآب، هو تأكيد على أن كل الأعمال النابعة من الآب هي نابعة منه أيضاً، وكمن مصدر واحد لا مصدرين. فمثلاً: ما هو للآب: انبثاق الروح، ولادة الابن، خلق العالم، محبة البشر، خلاص العالم...الخ وهذا كله ما يقول عنه الابن:«ما هو لك هو لي»، فيما عدا "الإلادة ". فالآب يتميز عن الابن بالأبوة، والابن يتميز عن الآب بالبنوة "فهو مولود"، والتمييز بمعنى تمايز الأدوار وليس أفضلية، وسوف نرى ذلك بوضوح في علاقة الأقانيم معا.
فمن الواضح أننا إذا قلنا أن الروح القدس ينبثق من الآب فقط فإننا نلغي المساواة بين الآب والابن بل وربما نعود من جديد إلى الآريوسية التي نادت بأن الابن أقل من الآب وأن الابن مخلوق، وهذا ما حاربه مجمع نيقيه عام 325م. ونذكر هنا أيضاً أقوال بعض الآباء تأكيداً لشهادات الإنجيل:
· القديس كيرلس الاسكندري:«كل ما فهمته أنه الآب فهو الابن ما خلا شيئاً واحداً أنه آب»[4].
· القديس يوحنا الدمشقي:«كل ما هو للآب فهو للابن ما عدا أنه غير مولود»[5].
3. نهر الحياة في سفر الرؤيا 22/1
يقول القديس يوحنا الرائي:«ثم أراني الملاك نهر الحياة صافياً كالبلَّور ينبثق من عرش الله والحمل» نهر الحياة هو الروح القدس، «مَن آمن بي تجري من بطنه أنهار ماءٍ حيٍّ، وأراد بقوله الروح الذي سيناله المؤمنون به» (يوحنا 7/38-39). هذا النهر، الذي ينبع من الله الآب ومن الحمل الذي هو يسوع المسيح الابن الكلمة، هو الروح القدس الذي ينبثق منهما وكمن مصدر واحد.
4. «الذي من عند الآب ينبثق» (يوحنا 15/26)
تُمثل هذه الآية سنداً قوياً لمن يرفضوا إضافة "والابن " على أن هذه الآية قالها السيد المسيح وبالتالي هي دليل قاطع على أن الروح القدس ينبثق فقط من الآب.
نحن نؤمن أن للسيد المسح طبيعتين، إلهية وإنسانية، اتحدا في أقنوم (شخص) واحد، «أي إله كامل وإنسان كامل»[6]، وبالرجوع أيضاً إلى نص فيلبي:«فمع أنه صورة الله لم يعد مساواته لله غنيمة، بل تجرد من ذاته متخذاً صورة عبد وصار مثال البشر وظهر في هيئة إنسان، فوضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب»(فيلبي 2/6-11). من هذين النصين يمكننا فهم عبارة «من عند الآب ينبثق» وأيضاً عبارة«أبي أعظم مني» (يوحنا 14/28) إن المسيح في هذين العبارتين يُظهر طبيعته البشرية كابن لله، ولا يتكلم بصفته الإلهية. ولمعرفة ذلك أكثر نُشير باختصار إلى أسلوب القديس يوحنا وبولس في كلامهما عن السيد المسيح: ينطلق القديس يوحنا والقديس بولس من كرستولوجيا تنازلية (لاهوت تنازلي)، فيعلن القديس يوحنا في الفصل الأول من إنجيله أن الابن الكلمة هو كائن (حاضر) مع الآب منذ الأزل بل هو الله الذي ظهر في الجسد (يوحنا 1/1-3). والقديس بولس يُعلن في نشيد فيلبي، المذكور سابقاً، مساواة المسيح الابن بالله الآب في طبيعتهما الإلهية، وقد صار الابن الإله إنساناً. والهدف عند الاثنين هو إعلان الله الآب للبشر في شخص المسيح المتجسد، وقد أظهرا في شخص السيد المسيح لاهوته بأنه مساوٍ للآب في الجوهر، وناسوته بأنه الابن الذي أخذ جسداً وصُلِبَ عنا. فإذاً هما يشددان على البعدين بطريقة واضحة ومتوازنة ففيما يقول:«أبي أعظم مني» وهو قول "اقنومي"، يقول:«أنا والآب واحد» وهو قول "ثيولوجي"[7]، هكذا فإن قوله:«من عند الآب ينبثق» هو قول "اقنومي" يعبر به عن مدى ارتباطه بالآب. هذا على مستوى الكلام، أيضاً على مستوى الأفعال: فعندما يُعيد يسوع الحياة إلى الميت (يوحنا 11/44)، أو أي معجزة أُخرى فهو يعلن طبيعته الإلهية، وعندما يتعب ويعطش (يوحنا 4/6-7)، ويبكي (يوحنا 11/35)، فإنه يُعلن طبيعته الإنسانية.
نشير أيضاً إلى أن يسوع يتحدث عن علاقة الروح بالآب كما يتحدث عن علاقته هو بالآب، فمثلاً يسوع يتكلم عن علاقته بالآب:«خرجت من الآب» (يوحنا 8/42)، أيضاً يقول:«خرجت من لدن الآب وأتيت إلى العالم» (16/28). وعن علاقة الروح بالآب يقول:«روح الحق الذي من عند الآب ينبثق» (يوحنا 15/26)، وأيضاً يقول:«المعزي الذي يُرسله الآب باسمي» (يوحنا 16). كذلك يتكلم عن علاقته هو بالروح القدس بقوله:«يأخذ مما لي ويخبركم»(يوحنا 16، 17).
إذاً يسوع يتكلم عن علاقة الروح القدس بالآب وعلاقته هو بالآب كابن في طبيعته البشرية ومدى الارتباط المتواصل بينهما، فهو يعمل مشيئة الآب التي من أجلها جاء، والروح القدس يكمل ويؤيد عمله هذا. ويعلق أحد اللاهوتيين على هذين النصين «من عند الآب خرجت، وروح الحق الذي من عند الآب ينبثق» بقوله: «هذان النصان لا يتكلمان، كما يظهر من سياق الحديث عن صدور الابن والروح منذ الأزل، بل عن إرسالهما في الزمان إلى العالم. والإرسال هذا إنما هو صورة للصدور الأزلي»[8].
ب. شهادة التقليد الكنسي 1. شهادات الآباء · «إن الروح القدس منبثق من الآب والابن كمن مبدأ واحد، ومنبثق من الآب بشكلٍ رئيسي»[9]؛ وفي مكانٍ آخر يقول:«إن الذي نال من الابن أن يكون إلهاً لأنه إله من إله، نال منه أيضاً أن ينبثق منه الروح القدس وهكذا نال الروح القدس من الآب أن ينبثق من الابن كما ينبثق من الآب»[10].
· القديس كيرلس السكندري: «إن الروح القدس يصدر من الآب والابن، من كليهما معاً»[11]. وفي مكانٍ آخر يقول:«إنه لخالٍ من الخطأ ومن كل لوم القول بأن روح الابن يأخذ منه شيئاً لأنه ينبثق طبيعياً منه بما أنه خاصته»[12].
· القديس أثناسيوس الرسولي: «إن الذي قيل له روح الآب هو روح الابن لأن الابن قال روح الحق الذي من الآب ينبثق، فقول روح الحق «أنا هو الطريق والحق والحياة» (يوحنا14/6)، يُريد به روح الابن المنبثق منه»[13].
يجمع هؤلاء الآباء على أن الروح القدس بما أنه هو روح الابن كما روح الآب، فإنه ينبثق من الابن كما ينبثق من الآب. والقديس يوحنا الدمشقي يفضل أكثر الانبثاق بواسطة الابن على أنه شعاع وصورة الآب الذي يوزع الضياء الذي هو الروح القدس.
2. الطقس القبطي بعض العقائد الإيمانية يُعلن عنها في الصلوات والممارسات الطقسية، فيمكنا أن نجد شهادة على انبثاق الروح القدس من الآب والابن، في صلواتنا الطقسية والتي أساسها الكتاب المقدس، ففيها نجد بصورة واضحة أن الروح القدس هو روح المسيح كما هو روح الآب، وأنه روح الحق الذي هو يسوع المسيح، ولهذا الكلام نورد بعض النصوص الطقسية.
الروح القدس هو روح الابن كما هو روح الآب في صلاة الساعة الثالثة، من كتاب صلوات السواعي (الأجبية)، القطعة الأولى والثانية نصلي:«روحك القدوس يارب الذي أرسلته على تلاميذك القديسين.... لا تطرحني من قدام وجهك، وروحك القدوس لا تنزعه مني»، وأيضاً:«أيها الرب الذي أرسلت روح قدسك على تلاميذك القديسين ورسلك المكرمين في الساعة الثالثة»، وفي صلاة التحليل من نفس الساعة نصلي:«يا إله كل الرأفات ورب كل عزاء، الذي عزانا كل حين بعزاء روحك القدوس...... التي فيها أفضت نعمة روحك القدوس بغنى على تلاميذك..... أرسل علينا نعمة روحك القدوس» هذا الكلام موجه إلى الابن بقولنا تلاميذك، أي تلاميذ يسوع، ويظهر هذا أيضاً في ختام التحليل:«لأنه يليق بك المجد والإكرام والعزة مع أبيك الصالح والروح القدس»[14]، المجدلة هنا تخاطب الابن بلفظة "بك" على أنه هو الرب، كما في بداية الصلاة «روحك القدوس يارب».
في هذه الصلوات نجد إشارة إلى المساواة بين الآب والابن تتضمن وحدة الأفعال الثالوثية بينهما، أي ما يفعله الآب يفعله الابن أيضاً، كما أن هذه الأفعال تشير إلي داخل الزمان وخارجه.
الروح القدس روح الحق (يسوع المسيح) بدءً من عيد الصعود إلى عيد الرسولين بطرس وبولس، تردد الكنيسة في ألحانها هذا التعبير «روح الحق»، ففي اسبسمس واطس من الصعود إلى العنصرة نقول:«صعد إلى سماء السماء ناحية المشارق لكي يُرسل لنا البارقليط روح الحق المعزي»، وأيضاً في مرد الابركسيس لعيد العنصرة يُقال:«السلام لصعوده صعد إلى السموات وأرسل لنا المعزي روح الحق»، وفي لحن التوزيع لعيد العنصرة أيضاً يُقال:«صعد إلى أعلى السموات وأرسل لنا البارقليط روح الحق المعزي. أمين. آليللويا»[15]. إذا الروح القدس هو روح يسوع الذي هو “الحق “ مُرسل منه في الزمن تعبيراً عن انبثاقه منه خارج الزمن.
في كتاب“نزهة النفوس“ ورد الآتي:«والروح القدس روح الآب والابن لا يُسمى آب ولا ابن لأنه منبثق من الآب والابن كانبثاق شعاع الشمس من القرص والضياء ولا يفارق الذي هو منبثق منه»[16].
على نفس المستوى أيضاً، نجد أن الروح القدس هو روح القداسة (رومية1/14)، فالله الآب قدوس (يوحنا 17/11)، والابن يسوع المسيح قدوس (لوقا 1/35)، والروح القدس هو إذاً روح القداسة المنبثقة من الاثنين، كذلك هو روح القدرة (2تيموثاوس 1/7) فالله الآب هو القدير (عبرانيين 5/7)، والابن يسوع المسيح قدير (أشعيا 9/6)، والروح القدس هو إذاً روح القدرة المنبثق من الاثنين.
بصورة واضحة نجد إذاً الصلوات الطقسية تعلن عن أن الروح القدس هو روح المسيح، بل هو في ذاته وليس مُعطى له من الخارج، ولذلك فهو منبثق منه كما هو منبثق من الآب لأنه في ذات الآب، والمساواة بين الآب والابن تفترض حتماُ وحدة فعل الانبثاق من كليهما.
ثانيا:ًالانبثاق في اللاهوت العقائدي
أ. أزلية الانبثاق يتحدث السيد المسيح مع تلاميذه صراحةً عن إرسال الروح القدس بعد صعوده فقد قال لهم:«أما إذا ذهبت فأُرسله إليكم» (يوحنا 16/7)، ويذكر الإنجيل أنه منح الروح القدس لتلاميذه عندما نفخ في وجههم «قال هذا ونفخ فيهم وقال لهم: خذوا الروح القدس» (يوحنا 20/22). هذه المعطيات لا تبرهن على أن الروح القدس ينبثق من الابن، لأن هذا كله يتم داخل الزمن على المستوى الأقنومي [كل ما هو خاص بطبيعة يسوع الإنسانية]، وليس على المستوى الثيولوجي [كل ما هو خاص بطبيعة يسوع الإلهية]، ولكن كل هذا هو صورة ومواصلة لفعل الانبثاق الأزلي كما ذكرنا سابقاً. لذلك نتكلم عن ماهية الانبثاق، والانبثاق كفعل أزلي.
1. ماهية الانبثاق كلمة "بثق" أو "صدور" في اللغة العربية:«بَثَقَ: بثقاً وتبثاقاً. ويُقال: انبثق الماء: أي انفجر وفاض. وعند النصارى "الروح القدس ينبثق من الآب والابن" أي صدر»[17]. إذاً الانبثاق هو فيضان الشيء من أصله أو مبدأه، مثل فيضان الماء من النبع، ودائماً النبع أو المصدر هو واحد وليس اثنين، مثل الضوء الذي يوزع بواسطة شعاع الشمس مصدره قرص الشمس، هكذا الروح القدس يوزع علينا بواسطة الابن يسوع المسيح، داخل الزمن، ولكن هو منبثق أساساً من الآب والابن كمن مبدأ أو مصدر واحد[18]، خارج الزمن، وذلك لأن الآب والابن هما جوهر واحد وهذا ما يعلنه الجميع في قانون الإيمان النيقاوي- القسطنطيني بقولنا:«مساوي للآب في الجوهر» أو«هو والآب جوهر واحد»، وهذا استناداً إلى كلام السيد المسيح بقوله:«أنا والآب واحد» (يوحنا 10/30)، «أنا في الآب والآب فيَّ» (يوحنا 14/11)[19]. ُرمز للروح القدس في بشارة القديس يوحنا بالماء الحي الذي يمنحه يسوع للمؤمنين «مَن آمن بي تجري من جوفه أنهار ماء حي» (يوحنا 7/38-39)، هذا الماء هو الروح القدس يفيض من الآب والابن، وهذا ما ذكرناه سابقاً عن سفر الرؤيا:«ثم أراني الملاك نهر الحياة صافياً كالبلور ينبع من عرش الله والحمل» (رؤيا 22/1)، والحمل هنا هو يسوع المسيح، حيث أن تعبير "الحمل" يختص به القديس يوحنا وهذا ما أورده على لسان يوحنا المعمدان بقوله:«هوذا حمل الله» (يوحنا 1/29). بالإضافة إلى ذلك حدث خروج الماء من جنب المسيح على الصليب وهو تعبير عن إفاضة الحياة بالروح منه للعالم والذي هو صورة للفعل الأزلي:«ثم حنى رأسه وأسلم الروح..... فخرج لوقته دمٌ وماء» (يوحنا 19/30-34)، خروج الدم والماء هما رمز الحياة الجديدة التي يفيضها الله في البشر بالروح القدس.
2. الانبثاق فعل أزلي بين الأقانيم النصوص التي ذكرناها سابقاً هي صورة للانبثاق الأزلي، فتحن نعرف ما بين الأقانيم الثلاثة انطلاقا مما يعلنه لنا الوحي الإلهي داخل زماننا، أي أننا نخرج خارج الزمن انطلاقاً مما ظهر داخل الزمن. لذلك فعل الانبثاق- انبثاق الروح القدس- من الآب والابن هو أولاً فعل خارج الزمان والمكان، فعل أبدي أزلي مستديم ليس له بداية أو نهاية. هو فعل خاص بالأقانيم الثلاثة بعيداً عن علاقتهم بالبشر والكون. وما ظهر بعد ذلك في خلق العالم من الآب، وتجسد المسيح وحلول الروح القدس داخل زماننا ومكاننا هو صورة لهذه العلاقة الخاصة بين الأقانيم وبعضها[20].
وكلمة "انبثاق" باليوناني زمن ماضي تام مستمر تعبر عن فعل حدث في الماضي ويحدث الآن وسيظل يحدث في المستقبل، وإذ قد أعلن لنا الوحي أن الروح القدس مُرسل من الآب والابن، على أنه روح الآب والابن، وذلك داخل زماننا، فإنما هذا إشارة أو تأكيد على أن الروح القدس منبثق من الآب والابن خارج الزمن، فالإرسال داخل الزمن يقابله الانبثاق خارج الزمن، بل هو صورة ومواصلة له[21].
ب. مقاربة ثالوثية للانبثاق[22] بعد أن عرضنا أسانيد الانبثاق من الكتاب المقدس والتقليد الكنسي، وما هو الانبثاق كفعل أزلي يُعلن عنه في الإرسال، وقد ميزنا بين الانبثاق والإرسال للروح القدس كأقنوم متمايز عن الآب والابن. نعرض الآن انبثاق الروح القدس من الآب والابن، من خلال عرض العلاقة الأزلية التي بين الأقانيم الثلاثة، بعضها ببعض، والتي نقترب منها ونتكلم عنها بواسطة ما أعلنه لنا الوحي الإلهي في العهد الجديد.
ننطلق في كلامنا في هذه المقاربة من كون الله القدوس هو "محبة"، فقد أعلن لنا الوحي الإلهي على لسان القديس يوحنا أن «الله محبة» (1يوحنا 4/16،8). هذه المحبة تفترض طرفين، الطرف الأول هو الله ولكن مَن هو الطرف الثاني؟
الله لا يحب ذاته لأن هذا أنانية ويناقض محبته تماماً. كما أن الطرف الثاني لن يكون إله آخر حيث أننا نؤمن بأن الله إله واحد «الإله الأحد» (يوحنا 5/44؛ 1كورنتوس 8/4). ولن يكون الطرف الثاني الإنسان لأنه ثمرة حب الله ولأن الله محبة في ذاته سواء كان الإنسان أم لم يكن. ولكن بما أن الله محبة في ذاته، يمكن القول بأن داخل الله تبادل بين طرفين أو أكثر، وبالتالي يكون الله واحد أحد وليس وحيد وهو بعلاقة بآخر.
هذه المحبة تفترض أن هناك المُحب والمحبوب والحب، ولتطبيق هذا على الثالوث الأقدس نعود لما أعلنه لنا الوحي في شخص يسوع المسيح فقد عَرفنا أن الآب هو المُحب والابن هو المحبوب، والروح القدس هو الحب النابع منهما والمتبادل بينهما على أنه روحهما وذلك بقول الله الآب:«هذا ابني الحبيب الذي به سُررت» (متى 3/17). ولنبدأ الآن في تحليل هذه العلاقة بين الأقانيم لنبرز دورها في انبثاق الروح من الآب والابن.
1. أعلن لنا الوحي الإلهي أن يسوع هو ابن الله الحبيب «أنت ابني وأنا اليوم ولدتك [ألدك]»[23] (مزمور 2/7؛ أعمال 13/33؛ عبرانيين 1/5)، وذلك بقول الآب:«هذا هو ابني الحبيب» (متى 3/17)، وأيضاً بقول الابن:«أحببتني قبل إنشاء العالم» (يوحنا 17/24)، وهو الوحيد «الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو أخبر» (يوحنا1/18). إذاً يسوع المسيح هو الابن المولود من الله الوحيد والمحبوب، والإلادة هنا ليست جسدية أو مكانية وسوف نعرض دورها في انبثاق الروح القدس من الآب والابن.
خصائص الإلادة: هي إلادة أزلية لأنها فعل خارج الزمان والمكان، غير مرتبطة بالعالم المادي، وهي قبل إنشاء العالم وذلك صدى لتعبير «في البدء» (يوحنا 1/1)، أو «البداية» (رؤيا 1/8)، أو «قبل إنشاء العالم» (يوحنا 17/24)، هي إذاً لا بداية لها، وبذلك لا توجد أسبقية زمنية للآب على الابن أو الابن على الآب. وهذا عكس تماماً الولادة البشرية إذ أن لها بداية لأنها داخل الزمان والمكان وبالتالي هناك أسبقية للأب على الابن.
هي إلادة أبدية فكما أن ليس لها بداية ونهاية، لأن الله أزلي أبدي، وبالتالي أفعاله كلها "ثيولوجية" أزلية أبدية. فالله متسامي عن الزمان والمكان، وعلى البداية والنهاية. إذا الإلادة هي غير زمنية.
هي إلادة مستديمة بما أنها ليس لها بداية ولا نهاية فهي فعل يحدث باستمرار بدون انقطاع وغير متكرر، وهذا ما نسميه المضارع المستديم، فحياة الله لا تخضع للماضي أو المستقبل ولكن كل شيء بين يدي الله هو حاضر، فالإلادة هي عطاء ذات الآب للابن، هذا العطاء هو نابع من كون الله محبة فلذلك لا يكون لحظة وينتهي، بل هو عطاء مستمر ومتجدد لأن المحبة اللامحدودة عطائها غير محدود أو مشروط، لذلك فضل الكاتب فعل "ألدك" على فعل "ولدتك".
الإلادة هي إلادة روحية وهذا ما نريد التركيز عليه حيث أنها تتم بالروح القدس، فهنا نرى الله يُشرك الروح في إلادة الابن، كما سنرى أن الآب يُشرك كذلك الابن في انبثاق الروح، إذاً فهي إلادة روحية غير جسدية أو مكانية فهي تخص الله «الله روح» (يوحنا 3/24). إضافة إلى ذلك قد رأينا عمل الروح مع يسوع المسيح في تجسده وطيلة حياته على الأرض، وهذا صورة لدور الروح القدس في إلادة الابن السرمدية.
الابن الحبيب يَقبل ويُبادل الآب المُحب كل شيء
إلادة الآب للابن هي عطاء الآب ذاته وكل شيء للابن، وهي قبول الابن ذاته وكل شيء من الآب. إذاً الإلادة هي فعل تبادل العطاء والأخذ بصفة مستديمة حاضرة سرمدية. ويعلن يسوع أنه خرج من الآب «من الله خرجت» (يوحنا 8/42)، أي أخذ ذاته من الآب.
قبول الابن تجسده في العالم وحياته على الأرض من الآب هو صورة ومواصلة لقبوله الإلادة الأزلية الروحية من الآب. فالابن يقبل ذاته من الآب كهبة له، هذه الذات- ذات الآب- تمنحه كل ما لها، كل ما هو لذات الآب يعطى لذات الابن، فالآب إذاً يخرج نحو الابن وينفتح عليه ليعطيه ذاته ويمنحه الاشتراك في نفس أفعاله التي يقوم بها، فيعطيه أن يبثق الروح، والابن يقبل هذا من الآب كهبة منه، ولكن يظل الآب هو مصدر الأبوة للابن ومصدر البثق للروح، بدون أن يعني هذا أن هناك أسبقية أو أفضلية للآب على الابن أو الابن على الآب. وبالتالي الروح القدس ينبثق منهما وكمن مصدر واحد.
إذاً انبثاق الروح من الابن هو عطية وهبة من الآب للابن، يقبلها الابن من الآب، وهذا العطاء والأخذ يتم بفعل الروح القدس المتبادل بينهما وهو روح الاثنين، وسنرى هذا لاحقاً.
«في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله والكلمة هو الله» (يوحنا 1/1-2)، هذه بداية إنجيل القديس يوحنا التي يُعلن فيها أن يسوع المسح ابن الله هو "كلمة الله"، "اللوغوس"[24]، هذا "الكلمة" أزلي فهو من البدء وتعبير "البدء" هنا لا يخص بداية الكون على مثال تعبير "البدء" في سفر التكوين (تكوين 1/1)، لكنه عند القديس يوحنا هو تعبير خارج الزمان والمكان، ويكمل القديس يوحنا كلامه بإعلان أن هذا الكلمة مساوٍ للآب في الجوهر أو هو والآب جوهر واحد حيث يقول:«والكلمة هو الله»، وهذا ما سيقوله يسوع فيما بعد «أنا والآب واحد» (يوحنا 10/30). هذه المساواة في الجوهر وتأكيد القديس يوحنا على أن الكلمة يسوع المسيح هو الله وهو الله واحد، كل هذا يفترض أن أفعالهما واحدة ومشتركة من بينها فعل انبثاق الروح القدس منهما كفعلٍ مشترك بينهما.
2. علاقة الروح بالآب والابن
الروح هو الحب بين الآب المُحب والابن المحبوب
كما»الروح يدفع الآب نحو الابن ويدفع الابن نحو الآب
تكلمنا في النقطة السابقة على أن الروح القدس هو روح الحب في داخل الآب وداخل الابن، والمتبادل بينهما؛ وهذا الحب، الروح القدس، هو الذي يدفع الآب ليتجه نحو الابن، وبالتالي يعطي الآب ذاته للابن بل وكل ماله أيضاً بالروح القدس. والروح عينه هو الذي يدفع الابن ليقبل ذاته من الآب وكل ما يمنحه إياه الآب أيضاً بثق الروح، محبة البشر، خلق العالم. فالروح يجعل الآب يشرك الابن في بثق الروح، والروح أيضاً يجعل الابن يقبل أن يشترك مع الآب في بثق الروح. كما أن الروح هو الذي يجعل الابن يُعيد كل شيء للآب ولا يحتفظ بشيء لنفسه. الروح القدس هو إذاً «ما هو باطني في داخل الآب والابن» وهو أيضاً النَفَس المُتبادل بينهما. وكل شيء بين الآب والابن يتم بالروح القدس، فهو الرابط المشترك بينهما والمنبثق منهما، من الآب إلى الابن ومن الابن إلى الآب. وذلك لأن الروح القدس هو روح الآب وروح الابن معاً، وعن كون الابن مساوٍ للآب في الجوهر وأن الابن في الآب والآب أيضاً في الابن. إذاً كما يلد الآب المُحب الابن المحبوب بالروح، هكذا يُشرك الآب الابنَ في بثق الروح القدس، الروح أيضاً يجعل الآب يرى صورته في الابن «صورة وجوهر الآب» (عبرانيين 1/3)، ويجعل الابن يعكس صورة الآب«مَن رآني فقد رأى الآب» (يوحنا 14/9). 3. نتيجة المقاربة
الانبثاق علامة من علامات وحدة الأفعال الثالوثية
يؤمن جميع المسيحيين بدون استثناء (الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت)، أن الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس هم إله واحد غير متجزئ، لذلك نقول:«باسم» ولا نقول:«بأسماء». هذا الثالوث فيه تمايز أقانيم كل أقنوم له عمله الخاص وصفته المميزة: فالآب هو الخالق والمصدر ويتمايز عن الابن والروح بالأبوة، والابن هو الفادي والمخلص ويتمايز عن الآب والروح بالبنوة، والروح القدس هو المُقدِّس والمؤيد والمعزي ويتمايز عن الآب والابن بالانبثاق. ومع ذلك كل عمل يشترك فيه الثلاثة أقانيم، ويوضح ذلك الأسرار الكنسية السبع نذكر منها هنا ثلاثة فقط:
· المعمودية: بها يصير المُعمد أولاً ابناً لله الآب، فهي إذاً تعطينا البنوة، وفي ذات الوقت يصير المُعمد أخ ليسوع المسيح وهيكل للروح القدس.
·
· إذاً هناك اتحاد للأقانيم وجوهر واحد مع تمايز في الأدوار واشتراك الثلاثة في ذات الفعل الواحد، فمع ظهور خاصية كل أقنوم في الفعل الأسراري، إلا أننا نجد الثلاثة مشتركين في نفس السر، هذا الاتحاد في الفعل الواحد مع التمايز بينهم هو صورة ومواصلة لإتحادهم ووحدتهم الجوهرية وتمايزهم الأزلي في طبيعتهم الإلهية، والمُتَرجَم لنا في علاقتهم بنا في ظهورهم داخل الزمن. فمثلاً الإلادة تخص الابن ولكن يشترك فيها الآب والروح القدس، الأبوة تخص الله الآب، الانبثاق يخص الروح القدس ويشترك فيه الآب والابن معاً. فالأبوة هي بالابن والبنوة هي بالآب والرابط بينهما هو الروح القدس.
الانبثاق يؤكد المساواة بين الآب والابن ، المساواة بين الآب والابن بل ووحدة الجوهر بينهما الوحدة- وحدة الجوهر بين الآب والابن- هي التي ينبع وينبثق منها الروح القدس الذي هو روحها، فهو روح الآب وروح الابن، لذلك أكد اللاهوت الكاثوليكي على أن الروح ينبثق "كمن مبدأ واحد". بالتالي إنكار أو رفض انبثاق الروح القدس من الابن هو عودة مرة أخرى إلى الآريوسية وإن كان بصورة غير مباشرة، حيث أن هذا الرفض يضع الابن في مستوى أقل من الآب، وهذا ما رفضه مجمع نيقية السابق ذكره. فهل نعتبر بذلك الذين لا يؤمنون بأن الروح لا ينبثق من الآب والابن هم أرياسيون؟ 4. الإضافة والحوار المسكوني اليوم إلى اليوم لم يتم الاتفاق حول هذه العقيدة «منبثق من الآب والابن»، بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية، إن الشكل العام للحوار المسكوني اليوم، والوحدة الكنسية، لا يقول أن عقيدة انبثاق الروح القدس هي العائق الرئيسي أو أحد العوائق الرئيسية فيهما، وخاصة مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لما تعلنه من أسباب لا حصر لها في الاختلاف، وكأنه لا يوجد شيء جوهري تتفق فيه مع الكنيسة الكاثوليكية.
من ناحية الإضافة "والابن" أرى أنه لو تريث اللاهوتيون الأرثوذكس، وبنظرة عميقة للموضوع لوجدوا أن إضافة "والابن"، لهي أساساً تكملة لدحض التعاليم الآريوسية التي تنكر لاهوت السيد المسيح ومساواته للآب، فإذا كانوا يوافقون كتابات العهد الجديد، كلمة الله، أن الروح القدس هو روح الآب والابن معاً، وإذا كانوا يوافقوننا أن الآب والابن جوهر واحد «إن أوموسيوس»، وإن كانوا يوافقون تعاليم الآباء وعلى رأسهم القديس أغسطينوس على أن الروح القدس هو روح الحب المتبادل ما بين الآب المُحب والابن المحبوب، لما رفضوا أبداً أن يكون الروح القدس منبثقاً من الآب والابن معاً، دون اعتبار أن هناك مبدأين له ولكن منبثق منهما كمن مبدأ واحد.
نشير إلى أن ما يزيد الأمر تعقيداً، هو أن الكنيسة الأرثوذكسية توقفت في اللاهوت عند القرن الخامس، وكأن الروح القدس كان أخر عمله في هذا القرن ومع هؤلاء الآباء، فلا يوجد داخل الكنيسة الأرثوذكسية تطور لاهوتي بعد عصور الآباء في القرن الخامس، لذلك كل ما هو جديد في اللاهوت عند مَن أختلف عنهم هو بمثابة هرطقة وبدعة، لا يصح النظر فيه.
وبالرغم من ذلك، ربما أخذ الحوار المسكوني والوحدة المسيحية، أبعاداً سياسية كانت حجتها هذه العقيدة أو غيرها من العقائد المختلف عليها، كعقيدة المطهر، والحبل بلا دنس، ...... وخلافه.
خاتمـة يؤكد الكتاب المقدس والآباء والقديسين والتقليد الكنسي وصلوات الأجبية وألحان الكنيسة التي نرتلها ويؤكد العقل والمنطق على حقيقة انبثاق الروح القدس من الآب والابن كمن مصدر واحد!!! الأب/ مجدي فوزي
سنعالج في المرة القادمة إشكالية الإرسال والانبثاق بين ما هو زمني وما هو خارج الزمان ونحاول علاج السؤال التالي إذا كان الروح حاضرا من قديم الزمان يرفرف على وجه الأرض ويحل بالأنبياء وبالكهنة وغيرهم من المختارين، فما المعنى والفرق بين حضور الروح من القديم بالأرض وبين إرساله على التلاميذ من قبل السيد المسيح؟أو كيف هو حاضر وكيف يرسله؟.........................................................................................
المراجع
1 أنطون صالحاني اليسوعي، الحقائق اللامعة في عقائد الكنيسة الجامعة، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، لبنان، 1926، ص84.
2 المرجع السابق، ص85.
3المرجع السابق، ص85.
4 المرجع السابق، ص79.
5 المرجع السابق، ص80.
6 اتفقت الكنائس أن تستخدم مصطلح إله كامل وإنسان كامل، بدلاً من مصطلح طبيعة وطبيعتين. وهو اتفاق كريستولوجي تم بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس البروتستانتية والأرثوذكسية وذلك في فينّا 1948م، ومع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تم في 10 مايو 1973م عمل بيان مشترك بين البابا بولس السادس والبابا شنودة الثالث، في حاضرة الفاتيكان- روما، وجوهره هو:«المسيح إله كامل وإنسان كامل»، مجموعة من المؤلفين، =تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية، القاهرة، 2001، ص61- 63. وبشأن هذا الموضوع الكريستولوجي أيضاً تم في حوار مشترك بين الكنيسة القبطية الكاثوليكية والقبطية الأرثوذكسية، في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، اتفاق على نفس الصيغة الكرستولوجية التي اتفق عليها البابا بولس السادس والبابا شنودة الثالث في روما وهي:«المسيح إله كامل في لاهوته وكامل في ناسوته»، المرجع السابق، ص61- 63.
7 اللفظان: اقنومي وثيولوجي، يعبران عن الطبيعة البشرية والطبيعة الإلهية في شخص المسيح، اقنومي بمعنى كلام أو فعل يسوع كإنسان بشري وابن مرتبط بأبيه السماوي. ثيولوجي بمعنى كلام أو فعل يسوع الإله المساوي لله في طبيعته الإلهية. فاضل سيداروس اليسوعي، سر الله الثالوث- الأحد، (= دراسات لاهوتية)، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1993، ص5-6.
8 لوديغ أوت، مختصر علم اللاهوت العقائدي، ج1، ترجمة جرجس المارديني (الأب)، بيروت، لبنان، 1966، ص90.
9سليم بسترس (المطران)، مرجع سابق، ص91.
10 الكسندرس اسكندر (الأنبا)، مرشد الأرثوذكسي الكاثوليكي، مجلة الصلاح، القاهرة، 52002، ص74.
11 سليم بسترس، مرجع سابق، ص91.
12 المرجع السابق، ص92.
13 المرجع السابق، ص76.
14 كتاب الأجبية، مكتبة المحبة، القاهرة، 1998، ص77- 80.
15، مكتبة المحبة، القاهرة، د.ت.
16 كتاب نزهة النفوس، نسخة يد ورد فيه هذا الكلام ص202، الكسندرس اسكندر، مرجع سابق، ص79.
17 المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1986، كلمة «بثق».
[18] لم تعلم الكنيسة الكاثوليكية أبدا، بأن هناك مبدأين أو مصدرين للروح القدس، كما يُقال، كنيسة القديسين مار مرقس والبابا بطرس خاتم الشهداء، مرجع سابق، ص20.
[19] لم يقل أحد، أن السيد المسيح لم يشير إلى انبثاق الروح القدس منه، علامة على الاتضاع، فهو حينما أراد أن يعلن عن مساواته للآب قال «أنا والآب واحد، أنا في الآب والآب فيّ، مَن رآني فقد رأى الآب» (يوحنا14/8-11)، المرجع السابق، ص26.
[20] يرى البعض، أن ما يحدث في الزمن في علاقة الثالوث ببعضه، ليس له علاقة بما يحدث في علاقة الثالوث ببعضه خارج الزمن، وهذا ما يضع خطورة الفصل في علاقة الأقانيم بعضها ببعض داخل الزمن وخارج الزمن، أي أن السيد المسيح علاقته بالآب والروح القدس قبل تجسده لا صلة لها بعلاقته بهما بعد تجسده، وهذا =خطر كبير يقع فيه البعض، كما أنه في هذه الحالة لا يصح القول أن القداس الإلهي هو صورة لما يحدث في السماء من الالتفاف حول الحمل المذبوح يسوع المسيح. المرجع السابق، ص18.
21 لوديغ أوت، مرجع سابق، ص93.
22 هذه المقاربة الثالوثية، كلامنا فيها يعتمد أساساً على كتاب فاضل سيداروس اليسوعي(الأب)، مرجع سابق، ص27- 95.
23 فضل الأب فاضل سيداروس في هذه المقاربة الثالوثية استخدام لفظ "الإلادة" عن الولادة للتمييز بين ما هو زمني وغير زمني، وبين ما هو بشري وإلهي، كما أن فعل "ألدك" حاضر مستمر.
24 لم يكن يوحنا أول من استعمل مصطلح "اللوغوس" لكنه كان يعرف الأفكار المنتشرة حوله في عصره، فاليونانيون هم أول من استعملوا مصطلح "اللوغوس" وبالتحديد أول من استعمله فيهم هو "هيراقليطس" في القرن السادس قبل الميلاد، و اللوغوس بالنسبة له هو: عقل الله الذي ينظم الكون ويوجه حركاته، وهو الذي يؤهل الإنسان لعمل الخير وتجنب الشر ويساعد على فهم الحقيقة. ومن هنا دخل يوحنا الإنجيلي بفكره العميق عن اللوغوس على اليونانيين ليقدم لهم المسيح من مفهومهم عن اللوغوس لأنهم لا يعرفون المسيا، ويتقدم وكأنه يقول لهم: ها أنا آت لأكلمكم عن اللوغوس الحقيقي الذي يبحث عنه فلاسفتكم ويريدوا أن يعرفوا مَن هو؟ أين يوجد؟ ماذا يعمل؟ فأنا اعرفه بل وتقابلت معه شخصيا و أريد أن أقدمه لكم. إن اللوغوس الذي يُعلِّم فلاسفتكم انه بعيد كل البعد عن البشر ويختلف عنهم كل الاختلاف، هذا قد جاء إلى أرضنا وسكن بيننا "والكلمة صار جسدا وعاشا بيننا" وبه خُلق العالم وهو النور والحياة الأبدية. وان ما تقولونه عنه انه "عقل الله" هو الله بذاته"كان الكلمة الله". وهذا ما يريد الإنجيلي أن يقدمه لليونانيين عن اللوغوس انه المسيح ابن الله. هذا الكلمة عند القديس يوحنا هو الحياة والنور والحق والكرمة والخبز الحي والراعي الصالح وابن الله وحمل الله الذي يحمل خطيئة العالم، متى المسكين(الآب)، المدخل لشرح إنجيل القديس يوحنا، دير أبو مقار، مصر، 1989، ص185