سرّ الزواج...كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس الكاثوليك_ بالشورانية
سر الزواج المقدس وإشكالية الطلاق
الأب/ مجدي فوزي
أوّلاً: تأسيس السر: لم تعٍ الكنيسة أن سر الزواج هو سر مقدس وعياً كاملاً إلا في القرن الثاني عشر. ولكنها وعت منذ القرن الأول قدسية الزواج اعتمادا على كلام يسوع وتفاسير بولس. ويعود عدم وعي الكنيسة هذا، إلى أنه لا يوجد لأول وهلة نص صريح ليسوع عن فعل تأسيس سر الزواج. فهو ليس واضحاً مثل تأسيس سائر الأسرار. فهل لم يؤسس يسوع سر الزواج؟ وبالتالي تكون الكنيسة قد أسسته مؤخراً في القرن الثاني عشر؟
والآن نلقي نظرة سريعة على النصوص المرتبطة بالزواج في الكتاب المقدس.
أ- العهد القديم:
تك 2: 18-23
"وقال الرب الإله: لا يحسن أن يكون الإنسان وحده فأصنع له معيناً بإزائه... فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام فاستل إحدى أضلاعه وسد مكانها بلحم وبنى الرب الضلع التي أخذها من آدم امرأة فأتى بها آدم فقال آدم: هذه المرأة عظم من عظامي، ولحم من لحمي. هذه تسمي امرأة، لأنها من امرىء أخذت. ولذلك يترك الرجل أباه وأمة ويلزم امرأته، فيصيران جسداً واحداً ".
يعبر الكتاب المقدس عن مفهومه للطبيعة الإنسانية حسب قصد الله. فالرجل هو الإنسان بدون أحد أضلاعه، والمرأة هي هذا الضلع الذي خرج من أضلاع الإنسان. والرجل والمرأة يكونان الإنسان المخلوق على صورة الله ومثالة . وبالزواج يصير الرجل والمراة جسداً واحداً إذ يعود الضلع إلى مكانه ويكتمل الإنسان باتحاد الذكر والأنثى. ولا يكون اكتمالاً إنسانيا إلا إذا كان نتيجة الحب المبنى على الحرية والعقل.
هذا هو أول نص في الكتاب المقدس يتعرض إلى موضوع اتحاد الرجل والمرأة. ويؤكد أباء الكنيسة أن سر الزواج قد أنشأه الله نفسه. وهذا النص سيعتمد عليه فيما بعد يسوع والقديس بولس.
ب- العهد الجديد: 1. الازائيات
يعود يسوع في معرض حديثه عن الزواج إلى ما صنعه الله في بدء الخليقة فيقول:" أما قرأتم أن الخالق، من البدء، خلقهما ذكراً وأنثى، وأنه قال: لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته، ويصيران كلاهما جسداً واحداً ومن ثم ليس هما اثنين بعد بل جسدا واحدا. إذاً ما جمعه الله لا يفرقه إنسان " (مت 19: 1-12) و(مر10:6-9).
تأسيس يسوع للسر هنا ليس صريحا و لكنه ضمني بكل وضوح. فبعودة يسوع إلى البدء يقول:"من أجل قساوة قلوبكم قال موسى في طلاق نسائكم، ولم يكن الأمر منذ البدء هكذا" ليقر بالزواج المسيحي الذي يعتبره عودة إلى البدء. أي بدون تعدد زواجات.وهنا اعتراف من يسوع بالزواج الطبيعي حسب إرادة الله أن يكونا جسداً واحداً. فبسبب اعتراف يسوع بالزواج الطبيعي هذا لم تفصل الكنيسة في الألف الأول بين الزواج المسيحي والزواج الطبيعي. بل اعترفت بالزواج الطبيعي واعتبرته زواجاً مسيحياً وأضافت معاني روحية ولاهوتية. واشتراك يسوع في عرس قانا الجليل هو اعتراف ضمني بالزواج الطبيعي إلا انه أضفى علية معنى جديداً مرموزاً في تحويله الماء إلى خمر جيدة. فالزواج المسيحي إذا لا ينفي الزواج الطبيعي بل يضيف إليه صفة الجدة.
2- رسائل بولس الرسول
يعود أيضا القديس بولس في حديثه عن الزواج إلى قول الله في الفردوس:" لذلك يترك الرجل أباه و أمه ويلزم امرأته فيصيران كلاهما جسداً واحداً ". ثم يضيف: " إن هذا السر لعظيم، أقول هذا بالنسبة إلى المسيح والكنيسة " اف5/31-32.
ولفظة سر هنا تعني أمرا يربط الحاضر بما يتخطى الزمن، ويسكب فيه غنى لا ينضب يجد فيه الإنسان متعة دائمة ومثالاً أبديا. فمحبة المسيح للكنيسة تعود إلى البدء، ما قبل سقطة الإنسان. ويقول اكلمنضس الإسكندري في تعليق على هذا النص : "إن الله قد خلق الإنسان رجلاً وامرأة، فالرجل يعنى المسيح والمرأة تعني الكنيسة ". إذاً محبة المسيح للكنيسة هي المثال الأول والأساس للزواج، ووجودها يسبق وجود الزوجين. يمكننا القول:" آدم خلق على صورة المسيح، وحواء على صورة الكنيسة " وحب المسيح للكنيسة هو المرجع الأوحد الذي يعود إليه الزوجان الأولان وكل الأزواج على مر الزمن.
إذا في فكر بولس الزواج المسيحي هو آية sacramentoumعن حب المسيح حباً خلاصياً لكنيسته. وتكمن اسرارية الحب الزوجي المسيحي بأنه آية على علاقة الآب ويسوع المسيح مع البشرية .وهذا ما دفع الكنيسة إلى الإقرار بأسرارية الزواج معتبرة إياه سراً musterion من أسرار الكنيسة السبعة.
إذا مؤسس السر هو يسوع نفسه ووعت الكنيسة هذا السر في القرن الثاني عشر
ت- آباء الكنيسة:
لا نجد عند الآباء نظرة متكاملة متناسقة عن سر الزواج، رغم كلامهم على هذا الموضوع. ولقد تأثر فكرهم بالنظرة اليونانية والرومانية من جهة، واليهودية من جهة أخرى، وهي تبرز هدف إنجاب الأبناء من الزواج، بدون التركيز على العلاقة بين الزوجين. كما أنهم تأثروا بالفلسفة الثنائية التي تعتبر الروح خيراً والجسد شراً وبالتالي الجنس شراً، فآثروا التبتل على الزواج، متبنين فهماً ضيقاً لكلام القديس بولس في 1قور7. كما أن دفاعهم عن القيم الإنجيلية، في حضارة خليعة الأخلاقيات، جعلهم ينظرون إلى ما نحن بصدده نظرة غير ايجابية.
ونختار من ضمن الآباء نموذجين شرقيين وآخرين غربيين.
أولا: الآباء الغربيون:
1) ايريناوس : في نظر ايريناوس الزواج هو سر مقدس وانطلاقاً من هذا هاجم الغنوصيين الذين كانوا يتكلمون عن ملذات الزواج ومباهجه العابرة واعتبر ايريناوس نص تك 2،1 " ذكراً وأنثى خلقهم الله وباركهم وقال لهم انموا وأكثروا واملأوا الأرض" تأكيدا على إرادة الله في تطور البشرية وأن الرجل والمرأة هما في نظر الله الأداة الطبيعية لاستمرارية الخلق والبنون هم ثمرة الزواج المقدس والمحبة والأمانة حتى الموت هما الركيزة البشرية الأساسية واختيار الشريك هو عهد أمام الله والناس وبنوع خاص أمام الكنيسة فالرجل والمراة يؤسسان عائلتهما في قلب الكنيسة. أما عن الزواج الثاني بعد موت الشريك فيعتبره ايريناوس مقدساً.
2) أغسطينوس
يعتبر أغسطينوس الزواج حسناً لان الله قصده منذ البدء ولان يسوع أكمله باعتباره سراً. ويتميز الزواج في فكره بثلاث حسنات.
v إنجاب الأبناء.
v الأمانة الزوجية.
v كونه سراً.
وينظر إلى الجنس نظرة حذره ولا يبرره سوىإنجاب الأولاد وإلا صار خطيئة. وما يبرر الزواج هو علاج الشهوة وقمة الإنجاب الروحي أعظم من الإنجاب الجسدي.
ثانياً: الآباء الشرقيون
1) اكلمنضس
يعتبر اكبر مدافع عن الزواج ضد الغنوصية واعتبر الزواج واجباً ضرورياً وطنياً أولا وبالتالي واجباً مسيحياً بالنسبة إلى التكاثر. وليس هذا فحسب ولكنه وكمال العالم. إذن غاية الزواج عنده هي إنجاب البنين ومساهمة مع الخالق في زيادة الخلق ويقول " إن الإنسان يصبح على صورة الله بقدر ما يساهم في خلق إنسان آخر". ويزيد قائلاً: "إن غاية الزواج هي الحب المتبادل والاتحاد الأبدي بين الرجل والمراة الزواج هو أسمى من العلاقة الجنسية". وفي نظره هو اتحاد روحي وديني بين الرجل والمرأة. إنه زواج مقدس ولا يفرق بينهما الموت. وهو بذلك يرفض فكرة الزواج الثاني بعد الترمل.
2) يوحنا فم الذهب
اعتبر فم الذهب الزواج سر الحب فيقول:" لا شيء مثل حب الرجل والمراة يجعل الحياة متناغمة " ويضيف فيقول: " إن تواجد زوجين معاً يجعل الله حاضراً " وفي فكرة عدم الإنجاب لا يحول دون الاتحاد بين الزوجين فاتحاد جسديهما يجعلهما واحداً ورغم هذا يحدد أهداف الزواج كالتالي:
v أن يكتفي الرجل بامرأة واحدة وهو الأساس.
v إنجاب الأولاد.
إذا الهدف الأساسي للزواج في رأيه هو تنظيم الحياة الجنسية ويضيف. "إن المفهوم الصحيح للزواج هو الإنجاب الروحي لا الجسدي".
ثانياً: لاهوت السر نعمة سر الزواج: إن الزواج أمر مرتبط بإرادة الله وتعتبر الكنيسة زواجا صحيحا الزواج الذي يتم في الأديان الأخرى؛ وبالتالي لا تعيد زواجهما حينما يعتنقا المسيحية. فالزواج في الكنيسة بعد معموديتهما يدخلهما في سر الله الفصحي، أي سر محبته للكنيسة ويجعل منهما أسرة على مثال الكنيسة وعلامة لحضور ملكوت الله واستباقا لاكتماله في بالأبدية. 1. الدخول في سر محبة المسيح إن سر الزواج هو امتداد للمعمودية وهو تطبيق معنى سر المعمودية على المرحلة الجديدة التي يدخلها المسيحي بالزواج. فالمسيحي الذي يرتبط برباط الزواج في الكنيسة لا يعود زواجه مجرد عقد بشري، بل دخول حياته الزوجية الجديدة في مختلف أبعادها سر المسيح الفصحي، سر موته وقيامته. وينال العروسان بواسطة بركة الكاهن الذي يمثل الكنيسة نعمة الروح القدس ليمتلئ حبهما الزوجي الذي هو طاهر ونقي في ذاته، من نفحة طيب المسيح ونعمة سره الفصحي.
إن مادة سر الزواج هي حب العروسين أحدهما للآخر وهي بواسطة بركة الكاهن ونعمة السر تتسم بسمة الاشتراك في موت المسيح وقيامته. وهذا يعني أن قدرة الروح القدس التي أقامة المسيح من الموت تشمل الحب الزوجي ليحيا في قيامة دائمة ويصمد في مسيرته.
إن للحب، لدي نشأته في القلب طعم الأزل؛ فعندما يمتلك الحب قلب شخصين يشعران بأن أحدهما خلق للأخر، وبأن الله قد حدد لهما هذا اللقاء منذ الأزل. كل إنسان يحمل في ذاته توقاً إلى الضلع الذي خرج منه، والحب هو اكتمال بالآخر؛ والشهوة هي انحراف نحو الأنانية. ونعمة سر الزواج تقوم على مساعدة الحب للحفاظ على صفاته وطهارته. وذلك لا يتم بدون السخاء والبذل والعطاء
2. الأسرة كنيسة بيتية سر الزواج يحول كل أسرة مسيحية إلى كنيسة بيتية حسب تعبير بولس رو 16/5. أو إلى كنيسة صغرى حسب تعبير فم الذهب. وهذا إعلان لحقيقة حضور الله في العالم وحقيقة امتداد حضور المسيح المتجسد على مدى الزمن في الكنيسة الجامعة والكنيسة البيتية يحضر المسيح ليملأ كل شيء بروحه الإلهي ويحول الكون وكل ما فيه إلى أيقونة لله. 3. الزواج سر الملكوت إذا كان للحب لدى نشأته طعم الأزل، وهو أيضاً يتطلب الديمومة، فدوامه لا يتحقق إلا بتنقيته الدائمة على نار البذل والعطاء. و الحب يُعطى مرة، ولكنه لا يدوم إلا إذا عمل الزوجان على خلقه كل يوم جديدا. و الحب يفقد مع الموت عذوبة اللقاء الأول؛ وكثيراً ما يسقط في السأم. إن نعمة حضور المسيح في سر الزواج تحول الحب الزوجي إلى حب ناضج يحمل للزوجين سعادة الأبد ضمن تقلبات الزمن. إن الدخول في الملكوت يتحقق للمسيحي في كل الأسرار التي يشترك فيها. وسر الزواج يحقق دخول الملكوت بواسطة الصبغة الجديدة الأبدية التي يصطبغ بها الحب الزوجي في سر موت المسيح وقيامته. يقول القديس اكلمنضس أسقف روما:"يقال إن الرب إذا سأل يوماً عن زمن مجيء الملكوت، أجاب:عندما يصير الاثنان واحداً ويصير الخارج كالداخل، ويتحد الذكر والأنثى بحيث يصيران لا ذكراً ولا أنثى". إذاً سر الزواج هو سر الملكوت وبه يصير الاثنان واحداً في المسيح. والذكر والأنثى باتحادهما السري يعودان بالطبيعة البشرية إلى كمالها الأول. سمات الزواج المسيحي: يتميز الزواج المسيحي عن الزيجات الأخرى بالآتي:- حب أبدي لأن حب الآب للبشر وحب المسيح للكنيسة حب لا نهاية له يتجاوز الزمن في الأبدية وبالتالي الزواج المسيحي لا يقبل الفسخ لأن حب الله لا رجعة فيه. § الحب الزوجي يستدعي التضحية "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" يو 3/16 ولأن يسوع "بلغ به الحب حتى بذل حياته لأحبائه" يو15/13 "فأحبهم إلى أقصى الحدود" يو13/1 "حباً بلا حد ولا شرط أي حتى الموت الموت على الصليب" في 2/8 . إذا ما من حب زوجي بدون تضحية وصليب يحمله الزوجان معاً. ويتطلب الحب الزوجي مسامحة متبادلة مستديمة حتى في حالة الخيانة وعدم الأمانة للحب الزوجي. إلا أن كلمة الحب الزوجي الأخيرة هي للحياة والفرح؛ وإن كانا يتحققان من خلال الألم والموت، فالمرأة تفرح في آلامها بأنه ولد إنسان. فآلام التضحية تولد الفرح، والموت يولد الحياة. وأما فرح عرس قانا الجليل، فليس فرحاً عادياً بشرياً، بل هو فرح مصدره يسوع العريس. وقد وعد تلاميذه قبل آلامه بفرح تام يو15/1،16/22 وما وعده لتلاميذه يعيده الأزواج الذين يشتركون اشتراكاً خاصا في سر حبه وخلاصه وكهنوته. § الحب الزوجي آية إن الحياة الزوجية المسيحية دعوة إلى الشهادة والرسالة والكهنوت والقداسة والخدمة. هذه الدعوة يوجهها الله إلى الزوجين، فيحققانها بفضل الروح القدس، وبنعمة الحال التي ينالانها في سر الزواج. ويقول كارل راهنر عن صفات الزواج المسيحي مستعيناً بصفات الكنيسة في قوله:"إنه واحد ومقدس وجامع ورسولي". فهو واحد على مثال حب الله، ومقدس لأن الله قدوس. وجامع لأنه موجه إلى جميع البشر الذين يجمعهم الله. ورسولي لأنه رسالة يؤديها المتزوجون. ثالثا:ًالطلاق 1. من الناحية الكتابية
سمحت شريعة موسى بالطلاق فنقرأ في تث24/2 " إذا أتخذ رجل امرأة، وتزوجها، ثم لم تنل حظوة في عينيه لأمر غير لائق وجده فيها، فليكتب لها كتاب طلاق ويسلمها إياه، ويصرفها من بيته". لقد كان تفسير هذا النص وخصوصاً عبارة " أمر غير لائق وجده فيها " موضوع خلاف بين علماء الناموس واليهود. وأمام يسوع كان هناك موقفان في تفسير هذه الآية. فأتباع ربي هلِّل أجازوا الطلاق لأي علة. أما أتباع ربي شمعي فحصروا أسباب الطلاق في حالة الزنى. ومن خلال ذلك نفهم سؤال الفريسين للمسيح " هل يحق للرجل أن يطلق زوجته " مر 10/2 أو " هل يحل للرجل إن يطلق زوجته لكل عله " مت19/3. وجواب يسوع يشجب الطلاق دون أي استثناء " فأجاب وقال لهم: بم أوصاكم موسى؟ قالوا: لقد أمر موسى أن يكتب صك طلاق، وأن تخلى. فقال يسوع: انه لقسوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية. ولكن، في بدء الخليقة، ذكراً وأنثى خلقهما الله، فلذلك يترك الرجل أباه وأمه …وكلاهما يصيران جسداً واحداً. ومن ثم هما ليس أثنين بعد، بل هما جسداً واحداً. فما جمعه الله لا يفرقه إنسان. وفي البيت سأله التلاميذ عن ذلك أيضاً. فقال لهم: من طلق امرأته وتزوج أخرى، فقد زنى عليها. وإن طلقت امرأة رجلها وتزوجت آخر فقد زنت" مر10/12.وفي لوقا نجد رفضاً للطلاق دون أي استثناء " فكل من طلق امرأته وتزوج أخرى فقد زنى، ومن تزوج امرأة طلقها زوجها فقد زنى" او16/18. والاستثناء الوحيد الذي يبدو أنه يجيز الطلاق في العهد الجديد نجده في إنجيل القديس متى في نصين: متى5/31-32 " لقد قيل: من طلق امرأته فليدفع إليها كتاب طلاق. أما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته –إلا في حالة الزنى – فقد عرضها للزنى، ومن تزوج مطلقة فقد زنى "مت19/9 " إني أقول لكم: من طلق امرأته – إلا في حالة الزنى – وتزوج أخرى، فقد زنى" يرى بعض المفسرين المعاصرين أن الاستثناء الوارد في إنجيل متى " إلا في حالة الزنى " لا يشير إلى الخيانة الزوجية في زواج شرعي قائم، بل إلى حالة زواج غير شرعي، أو إحدى الحالات المناقضة للناموس الواردة في احبار18/6-18. فيكون معنى قول المسيح أنه لا يحق للرجل أن يطلق زوجته،إلا إذا كان زواجه بها غير شرعي . كزواج الأخت...الخ راجع احبار18/6-18. أما في القرون الأولى ففسر معظم آباء الكنيسة هذه الجملة بقولهم:" انه يحق للرجل أن يطلق امرأته الزانية. ولكن من غير أن يباح لأي منهما بعقد زواج آخر، بل يسعيان إلى المصالحة حسب قول القديس بولس " أما المتزوجون فأوصيهم لاأنابل الرب: أن لا تفارق المرأة رجلها. وإن فارقته، فلتلبث غير متزوجة، أو فلتصالح رجلها؛ وأن لا يترك الرجل امرأته " 1كو7/10-11. فحتى في هذا النص لا نجد لفظة طلاق إن التفسير المتشدد للاستثناء الوارد في إنجيل القديس متى هو أكثر انسجاماً مع ما جاء به السيد المسيح من جديد بالنسبة إلى تفسيرات المعلمين اليهود الذين كانوا يحبذون الطلاق في حالة الزنى. ومع تأكيده إعادة الزواج إلى ما أراده الله في بدء الخليقة، إذ إن موسى لم يسمح بالطلاق إلالقسوة قلوب الأقدمين. ونحن نؤيد الرأي الذي قال به بعض المفسرين المعاصرين وهو أن الاستثناء الوارد في متى يشير إلى زواج غير شرعي. فالكلمة اليونانية المستخدمة في نصي متى porneia تترجم بالفحشاء. أما الزنى فيعبر عنه بلفظة أخرى هي moicheia وهذه الكلمة استخدمها يسوع عندما قال :" من طلق امرأته عرضها للزنى ومن تزوج من مطلقة فقد زنى" مت 5/32 . وكذلك " من طلق امرأته… وتزوج غيرها فقد زنى " مت19/9. ففي الحالتين يستخدم الفعل المقتبس من الاسم porneia إذا هناك فرق واضح بين الفحشاء والزنى. وما يستثنيه يسوع إذا ليس الزنى -وهو فعل- بل الفحشاء. وهي حالة أكثر منها فعلاً. والفحشاء هي زواج غير شرعي، بسبب محرمات جنسية تعود إلى القرابة. وهي ترد في سفر الأحبار 18/6-18 منها الزواج بالأم أو زوجة الأب أو الأخت أو ابنة الأب أو ابنة الأم أو بنت الابن والابنة أو العمة أو الخالة أو زوجة العم. ويختم النص بقوله:" هن ذوات قرابتك إنها فحشاء". نقرأ أيضا تأكيداً لذلك" لقد شاع خبر ما يجري عندكم من فاحشة(πορνειας) ومثل هذه الفاحشة لا يوجد حتى عند الوثنيين، فإن رجلاً منكم يخالط امرأة أبيه"(1كور5:1)
أما الزنى فهو إقامة علاقة جنسية من قبل طرف متزوج مع طرف آخر غير زوجه الشرعي. بالتالي فالترجمة الصحيحة لنصي القديس متى كما نقرأها في الترجمة الكاثوليكية الصحيحة والتي يستخدم فيها الاسم porneia (بورنيا)، ولا يستخدم moichei(مويخا) تكون كالتاليمت5: 31_ 32)"وقد قيل من طلق امرأته، فليعطها كتاب طلاق، أما أنا فأقول لكم: من طلق امرأته إلا في حالة الفحشاء عرضها للزنى، ومن تزوج مطلقة فقد زنى" وفي متى 19: 9)"أما أنا فأقول لكم: من طلق امرأته إلا للفحشاء وتزوج غيرها فقد زنى" وفيما يلي النص بالضبط كما جاء في لغته اليونانية الأصلية حسب إنجيل القديس مت5: 32 ونلاحظ استخدامπορνειας= والتي تنطق بورنياس وترجمته الدقيقة بمعنى الفحشاء.
. 32 έ^/ώ dε λεγω ϋμΪν ότι παS οαπολυων την γυναίκα αυτόυ παρίκταζ λόγου πορνειας ποΐ€Ϊ αυτην μοιχευβήναι, και oς εαν απολελυμενην γαμηση μοιχατα ι .
2. تعليم الآباء والتقليد الكنسي
أ- القديس غرغوريوس الثاولوغوس(+389): "إن شريعتنا تحرم الطلاق قطعاً وإن كانت الشرائع المدنية تحكم بخلاف ذلك..إن الشريعة الموسوية تسمح بالطلاق لكل علة. أما المسيح فلا. .."
ب- يوحنا الذهبي الفم(+470)فكما أن العبيد لا يزالون مكبلين بسلاسل العبودية وإن هجروا بيت سيدهم كذلك النساء وإن تركن أزواجهن التي تلزمنهن وتحكم عليهن بالزنى. وهذه الشريعة تلزم أيضاً الرجل...فلا تذكروا لي الشرائع التي وضعها الوثنيون والتي تقول أنما يعطى كتاب طلاق للمرأة وتطلق".
1. العقل والمنطق:
لا بد من القول أن عدم انفصام الزواج هو من مقومات الحب وجوهره، فالزواج ليس عقداً فقط، بل هو عطاء متبادل بين شخصين، يكمل أحدهما الأخر ليصبحا إنساناً واحداً بالنفس والجسد. إنه عطاء كلي يهب فيه كل من الزوج زوجه أغلى ما عنده مما يفترض عدم الرجوع عن هذه الهبة وألا كان هذا العطاء كاذباً. فهل يعقل أن يقول الرجل لامرأته في بدء الزواج أعطيكٍ كل شيء نفسي وجسدي ثم يعود عن قوله بعد ذلك؟إذاً يكون قد خان العهد الأول أيما خيانة ومن ثم يصبح هذا الشخص خائناً! فأي كنيسة هذه التي تجعل من بنيها خونة؟ أهلّ يعقل أن يقول الأب لأبنه لست أبني بعد الآن؟ أن الولد هو ابن للأبد؟ وكذا المرأة لا يمكن أن ينكرها زوجها لأنها أصبحت جزأ منه لا يتجزأ، بل لا فالوحدة بين الرجل والمرأة أقوى مما هي بين الرجل وأبنه في أن الأولى تنتج من اختيار حر واع وفريد وملتزم
خلاصة الكلام:
تأخذ الكنيسة سلطتها وتعاليمها وقوانينها من الكتاب المقدس ولا يمكنها أن تزيد أو تنقص على ما جاء في الكتاب المقدس، فهو الكلام الإلهي، دستور الكنيسة، وإن خالفت ذلك خالفت الله ذاته بالتالي تكون الكنيسة بشرية غير إلهية ومن الواضح من الشريعة الإلهية أي الكتاب المقدس كلام الله أنه لا يوجد أبداً البتة ما يجيز الطلاق لأي سبب كان ما عدا الفحشاء والتي وضحنا معناها وما عدى الفحشاء حتى وإن كان الزنى وغيره من الأمور الأخرى لا يكون سبب للطلاق، فما جمعه الله لا يكون لأي مخلوق سلطان فسخه أو حله فهو عهد بين الزوجين على مثال علاقة المسيح بالكنيسة فكما انه لا يمكن أن يتخلى المسيح عن كنيسته فعهده بالكنيسة أبدي كذلك الوثاق أو العهد بين الرجل والمرأة أبدي إذ يمثل علامة المسيح المنظورة بالكنيسة والعهد يختلف عن العقد في أن الأول لا يمكن حله والثاني يمكن حله.
كما لا بمكن مطلقاً تأويل نصوص الكتاب المقدس وإلا تناقض الكتاب المقدس. كما أنه لو سمح المسيح بالطلاق لكذب نفسه، إذ كيف يستند المسيح له المجد على نص التكوين ليقول بالوحدة غير المنفصلة بين الزوجين، ويسمح بالطلاق فأن كانت التوراة تشجب الطلاق لأي سبب فبأولى حجة من جاء يتمم شريعة التوراة
الأب/ مجدي فوزي
سر الزواج المقدس وإشكالية الطلاق
الأب/ مجدي فوزي
أوّلاً: تأسيس السر: لم تعٍ الكنيسة أن سر الزواج هو سر مقدس وعياً كاملاً إلا في القرن الثاني عشر. ولكنها وعت منذ القرن الأول قدسية الزواج اعتمادا على كلام يسوع وتفاسير بولس. ويعود عدم وعي الكنيسة هذا، إلى أنه لا يوجد لأول وهلة نص صريح ليسوع عن فعل تأسيس سر الزواج. فهو ليس واضحاً مثل تأسيس سائر الأسرار. فهل لم يؤسس يسوع سر الزواج؟ وبالتالي تكون الكنيسة قد أسسته مؤخراً في القرن الثاني عشر؟
والآن نلقي نظرة سريعة على النصوص المرتبطة بالزواج في الكتاب المقدس.
أ- العهد القديم:
تك 2: 18-23
"وقال الرب الإله: لا يحسن أن يكون الإنسان وحده فأصنع له معيناً بإزائه... فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام فاستل إحدى أضلاعه وسد مكانها بلحم وبنى الرب الضلع التي أخذها من آدم امرأة فأتى بها آدم فقال آدم: هذه المرأة عظم من عظامي، ولحم من لحمي. هذه تسمي امرأة، لأنها من امرىء أخذت. ولذلك يترك الرجل أباه وأمة ويلزم امرأته، فيصيران جسداً واحداً ".
يعبر الكتاب المقدس عن مفهومه للطبيعة الإنسانية حسب قصد الله. فالرجل هو الإنسان بدون أحد أضلاعه، والمرأة هي هذا الضلع الذي خرج من أضلاع الإنسان. والرجل والمرأة يكونان الإنسان المخلوق على صورة الله ومثالة . وبالزواج يصير الرجل والمراة جسداً واحداً إذ يعود الضلع إلى مكانه ويكتمل الإنسان باتحاد الذكر والأنثى. ولا يكون اكتمالاً إنسانيا إلا إذا كان نتيجة الحب المبنى على الحرية والعقل.
هذا هو أول نص في الكتاب المقدس يتعرض إلى موضوع اتحاد الرجل والمرأة. ويؤكد أباء الكنيسة أن سر الزواج قد أنشأه الله نفسه. وهذا النص سيعتمد عليه فيما بعد يسوع والقديس بولس.
ب- العهد الجديد: 1. الازائيات
يعود يسوع في معرض حديثه عن الزواج إلى ما صنعه الله في بدء الخليقة فيقول:" أما قرأتم أن الخالق، من البدء، خلقهما ذكراً وأنثى، وأنه قال: لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته، ويصيران كلاهما جسداً واحداً ومن ثم ليس هما اثنين بعد بل جسدا واحدا. إذاً ما جمعه الله لا يفرقه إنسان " (مت 19: 1-12) و(مر10:6-9).
تأسيس يسوع للسر هنا ليس صريحا و لكنه ضمني بكل وضوح. فبعودة يسوع إلى البدء يقول:"من أجل قساوة قلوبكم قال موسى في طلاق نسائكم، ولم يكن الأمر منذ البدء هكذا" ليقر بالزواج المسيحي الذي يعتبره عودة إلى البدء. أي بدون تعدد زواجات.وهنا اعتراف من يسوع بالزواج الطبيعي حسب إرادة الله أن يكونا جسداً واحداً. فبسبب اعتراف يسوع بالزواج الطبيعي هذا لم تفصل الكنيسة في الألف الأول بين الزواج المسيحي والزواج الطبيعي. بل اعترفت بالزواج الطبيعي واعتبرته زواجاً مسيحياً وأضافت معاني روحية ولاهوتية. واشتراك يسوع في عرس قانا الجليل هو اعتراف ضمني بالزواج الطبيعي إلا انه أضفى علية معنى جديداً مرموزاً في تحويله الماء إلى خمر جيدة. فالزواج المسيحي إذا لا ينفي الزواج الطبيعي بل يضيف إليه صفة الجدة.
2- رسائل بولس الرسول
يعود أيضا القديس بولس في حديثه عن الزواج إلى قول الله في الفردوس:" لذلك يترك الرجل أباه و أمه ويلزم امرأته فيصيران كلاهما جسداً واحداً ". ثم يضيف: " إن هذا السر لعظيم، أقول هذا بالنسبة إلى المسيح والكنيسة " اف5/31-32.
ولفظة سر هنا تعني أمرا يربط الحاضر بما يتخطى الزمن، ويسكب فيه غنى لا ينضب يجد فيه الإنسان متعة دائمة ومثالاً أبديا. فمحبة المسيح للكنيسة تعود إلى البدء، ما قبل سقطة الإنسان. ويقول اكلمنضس الإسكندري في تعليق على هذا النص : "إن الله قد خلق الإنسان رجلاً وامرأة، فالرجل يعنى المسيح والمرأة تعني الكنيسة ". إذاً محبة المسيح للكنيسة هي المثال الأول والأساس للزواج، ووجودها يسبق وجود الزوجين. يمكننا القول:" آدم خلق على صورة المسيح، وحواء على صورة الكنيسة " وحب المسيح للكنيسة هو المرجع الأوحد الذي يعود إليه الزوجان الأولان وكل الأزواج على مر الزمن.
إذا في فكر بولس الزواج المسيحي هو آية sacramentoumعن حب المسيح حباً خلاصياً لكنيسته. وتكمن اسرارية الحب الزوجي المسيحي بأنه آية على علاقة الآب ويسوع المسيح مع البشرية .وهذا ما دفع الكنيسة إلى الإقرار بأسرارية الزواج معتبرة إياه سراً musterion من أسرار الكنيسة السبعة.
إذا مؤسس السر هو يسوع نفسه ووعت الكنيسة هذا السر في القرن الثاني عشر
ت- آباء الكنيسة:
لا نجد عند الآباء نظرة متكاملة متناسقة عن سر الزواج، رغم كلامهم على هذا الموضوع. ولقد تأثر فكرهم بالنظرة اليونانية والرومانية من جهة، واليهودية من جهة أخرى، وهي تبرز هدف إنجاب الأبناء من الزواج، بدون التركيز على العلاقة بين الزوجين. كما أنهم تأثروا بالفلسفة الثنائية التي تعتبر الروح خيراً والجسد شراً وبالتالي الجنس شراً، فآثروا التبتل على الزواج، متبنين فهماً ضيقاً لكلام القديس بولس في 1قور7. كما أن دفاعهم عن القيم الإنجيلية، في حضارة خليعة الأخلاقيات، جعلهم ينظرون إلى ما نحن بصدده نظرة غير ايجابية.
ونختار من ضمن الآباء نموذجين شرقيين وآخرين غربيين.
أولا: الآباء الغربيون:
1) ايريناوس : في نظر ايريناوس الزواج هو سر مقدس وانطلاقاً من هذا هاجم الغنوصيين الذين كانوا يتكلمون عن ملذات الزواج ومباهجه العابرة واعتبر ايريناوس نص تك 2،1 " ذكراً وأنثى خلقهم الله وباركهم وقال لهم انموا وأكثروا واملأوا الأرض" تأكيدا على إرادة الله في تطور البشرية وأن الرجل والمرأة هما في نظر الله الأداة الطبيعية لاستمرارية الخلق والبنون هم ثمرة الزواج المقدس والمحبة والأمانة حتى الموت هما الركيزة البشرية الأساسية واختيار الشريك هو عهد أمام الله والناس وبنوع خاص أمام الكنيسة فالرجل والمراة يؤسسان عائلتهما في قلب الكنيسة. أما عن الزواج الثاني بعد موت الشريك فيعتبره ايريناوس مقدساً.
2) أغسطينوس
يعتبر أغسطينوس الزواج حسناً لان الله قصده منذ البدء ولان يسوع أكمله باعتباره سراً. ويتميز الزواج في فكره بثلاث حسنات.
v إنجاب الأبناء.
v الأمانة الزوجية.
v كونه سراً.
وينظر إلى الجنس نظرة حذره ولا يبرره سوىإنجاب الأولاد وإلا صار خطيئة. وما يبرر الزواج هو علاج الشهوة وقمة الإنجاب الروحي أعظم من الإنجاب الجسدي.
ثانياً: الآباء الشرقيون
1) اكلمنضس
يعتبر اكبر مدافع عن الزواج ضد الغنوصية واعتبر الزواج واجباً ضرورياً وطنياً أولا وبالتالي واجباً مسيحياً بالنسبة إلى التكاثر. وليس هذا فحسب ولكنه وكمال العالم. إذن غاية الزواج عنده هي إنجاب البنين ومساهمة مع الخالق في زيادة الخلق ويقول " إن الإنسان يصبح على صورة الله بقدر ما يساهم في خلق إنسان آخر". ويزيد قائلاً: "إن غاية الزواج هي الحب المتبادل والاتحاد الأبدي بين الرجل والمراة الزواج هو أسمى من العلاقة الجنسية". وفي نظره هو اتحاد روحي وديني بين الرجل والمرأة. إنه زواج مقدس ولا يفرق بينهما الموت. وهو بذلك يرفض فكرة الزواج الثاني بعد الترمل.
2) يوحنا فم الذهب
اعتبر فم الذهب الزواج سر الحب فيقول:" لا شيء مثل حب الرجل والمراة يجعل الحياة متناغمة " ويضيف فيقول: " إن تواجد زوجين معاً يجعل الله حاضراً " وفي فكرة عدم الإنجاب لا يحول دون الاتحاد بين الزوجين فاتحاد جسديهما يجعلهما واحداً ورغم هذا يحدد أهداف الزواج كالتالي:
v أن يكتفي الرجل بامرأة واحدة وهو الأساس.
v إنجاب الأولاد.
إذا الهدف الأساسي للزواج في رأيه هو تنظيم الحياة الجنسية ويضيف. "إن المفهوم الصحيح للزواج هو الإنجاب الروحي لا الجسدي".
ثانياً: لاهوت السر نعمة سر الزواج: إن الزواج أمر مرتبط بإرادة الله وتعتبر الكنيسة زواجا صحيحا الزواج الذي يتم في الأديان الأخرى؛ وبالتالي لا تعيد زواجهما حينما يعتنقا المسيحية. فالزواج في الكنيسة بعد معموديتهما يدخلهما في سر الله الفصحي، أي سر محبته للكنيسة ويجعل منهما أسرة على مثال الكنيسة وعلامة لحضور ملكوت الله واستباقا لاكتماله في بالأبدية. 1. الدخول في سر محبة المسيح إن سر الزواج هو امتداد للمعمودية وهو تطبيق معنى سر المعمودية على المرحلة الجديدة التي يدخلها المسيحي بالزواج. فالمسيحي الذي يرتبط برباط الزواج في الكنيسة لا يعود زواجه مجرد عقد بشري، بل دخول حياته الزوجية الجديدة في مختلف أبعادها سر المسيح الفصحي، سر موته وقيامته. وينال العروسان بواسطة بركة الكاهن الذي يمثل الكنيسة نعمة الروح القدس ليمتلئ حبهما الزوجي الذي هو طاهر ونقي في ذاته، من نفحة طيب المسيح ونعمة سره الفصحي.
إن مادة سر الزواج هي حب العروسين أحدهما للآخر وهي بواسطة بركة الكاهن ونعمة السر تتسم بسمة الاشتراك في موت المسيح وقيامته. وهذا يعني أن قدرة الروح القدس التي أقامة المسيح من الموت تشمل الحب الزوجي ليحيا في قيامة دائمة ويصمد في مسيرته.
إن للحب، لدي نشأته في القلب طعم الأزل؛ فعندما يمتلك الحب قلب شخصين يشعران بأن أحدهما خلق للأخر، وبأن الله قد حدد لهما هذا اللقاء منذ الأزل. كل إنسان يحمل في ذاته توقاً إلى الضلع الذي خرج منه، والحب هو اكتمال بالآخر؛ والشهوة هي انحراف نحو الأنانية. ونعمة سر الزواج تقوم على مساعدة الحب للحفاظ على صفاته وطهارته. وذلك لا يتم بدون السخاء والبذل والعطاء
2. الأسرة كنيسة بيتية سر الزواج يحول كل أسرة مسيحية إلى كنيسة بيتية حسب تعبير بولس رو 16/5. أو إلى كنيسة صغرى حسب تعبير فم الذهب. وهذا إعلان لحقيقة حضور الله في العالم وحقيقة امتداد حضور المسيح المتجسد على مدى الزمن في الكنيسة الجامعة والكنيسة البيتية يحضر المسيح ليملأ كل شيء بروحه الإلهي ويحول الكون وكل ما فيه إلى أيقونة لله. 3. الزواج سر الملكوت إذا كان للحب لدى نشأته طعم الأزل، وهو أيضاً يتطلب الديمومة، فدوامه لا يتحقق إلا بتنقيته الدائمة على نار البذل والعطاء. و الحب يُعطى مرة، ولكنه لا يدوم إلا إذا عمل الزوجان على خلقه كل يوم جديدا. و الحب يفقد مع الموت عذوبة اللقاء الأول؛ وكثيراً ما يسقط في السأم. إن نعمة حضور المسيح في سر الزواج تحول الحب الزوجي إلى حب ناضج يحمل للزوجين سعادة الأبد ضمن تقلبات الزمن. إن الدخول في الملكوت يتحقق للمسيحي في كل الأسرار التي يشترك فيها. وسر الزواج يحقق دخول الملكوت بواسطة الصبغة الجديدة الأبدية التي يصطبغ بها الحب الزوجي في سر موت المسيح وقيامته. يقول القديس اكلمنضس أسقف روما:"يقال إن الرب إذا سأل يوماً عن زمن مجيء الملكوت، أجاب:عندما يصير الاثنان واحداً ويصير الخارج كالداخل، ويتحد الذكر والأنثى بحيث يصيران لا ذكراً ولا أنثى". إذاً سر الزواج هو سر الملكوت وبه يصير الاثنان واحداً في المسيح. والذكر والأنثى باتحادهما السري يعودان بالطبيعة البشرية إلى كمالها الأول. سمات الزواج المسيحي: يتميز الزواج المسيحي عن الزيجات الأخرى بالآتي:- حب أبدي لأن حب الآب للبشر وحب المسيح للكنيسة حب لا نهاية له يتجاوز الزمن في الأبدية وبالتالي الزواج المسيحي لا يقبل الفسخ لأن حب الله لا رجعة فيه. § الحب الزوجي يستدعي التضحية "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" يو 3/16 ولأن يسوع "بلغ به الحب حتى بذل حياته لأحبائه" يو15/13 "فأحبهم إلى أقصى الحدود" يو13/1 "حباً بلا حد ولا شرط أي حتى الموت الموت على الصليب" في 2/8 . إذا ما من حب زوجي بدون تضحية وصليب يحمله الزوجان معاً. ويتطلب الحب الزوجي مسامحة متبادلة مستديمة حتى في حالة الخيانة وعدم الأمانة للحب الزوجي. إلا أن كلمة الحب الزوجي الأخيرة هي للحياة والفرح؛ وإن كانا يتحققان من خلال الألم والموت، فالمرأة تفرح في آلامها بأنه ولد إنسان. فآلام التضحية تولد الفرح، والموت يولد الحياة. وأما فرح عرس قانا الجليل، فليس فرحاً عادياً بشرياً، بل هو فرح مصدره يسوع العريس. وقد وعد تلاميذه قبل آلامه بفرح تام يو15/1،16/22 وما وعده لتلاميذه يعيده الأزواج الذين يشتركون اشتراكاً خاصا في سر حبه وخلاصه وكهنوته. § الحب الزوجي آية إن الحياة الزوجية المسيحية دعوة إلى الشهادة والرسالة والكهنوت والقداسة والخدمة. هذه الدعوة يوجهها الله إلى الزوجين، فيحققانها بفضل الروح القدس، وبنعمة الحال التي ينالانها في سر الزواج. ويقول كارل راهنر عن صفات الزواج المسيحي مستعيناً بصفات الكنيسة في قوله:"إنه واحد ومقدس وجامع ورسولي". فهو واحد على مثال حب الله، ومقدس لأن الله قدوس. وجامع لأنه موجه إلى جميع البشر الذين يجمعهم الله. ورسولي لأنه رسالة يؤديها المتزوجون. ثالثا:ًالطلاق 1. من الناحية الكتابية
سمحت شريعة موسى بالطلاق فنقرأ في تث24/2 " إذا أتخذ رجل امرأة، وتزوجها، ثم لم تنل حظوة في عينيه لأمر غير لائق وجده فيها، فليكتب لها كتاب طلاق ويسلمها إياه، ويصرفها من بيته". لقد كان تفسير هذا النص وخصوصاً عبارة " أمر غير لائق وجده فيها " موضوع خلاف بين علماء الناموس واليهود. وأمام يسوع كان هناك موقفان في تفسير هذه الآية. فأتباع ربي هلِّل أجازوا الطلاق لأي علة. أما أتباع ربي شمعي فحصروا أسباب الطلاق في حالة الزنى. ومن خلال ذلك نفهم سؤال الفريسين للمسيح " هل يحق للرجل أن يطلق زوجته " مر 10/2 أو " هل يحل للرجل إن يطلق زوجته لكل عله " مت19/3. وجواب يسوع يشجب الطلاق دون أي استثناء " فأجاب وقال لهم: بم أوصاكم موسى؟ قالوا: لقد أمر موسى أن يكتب صك طلاق، وأن تخلى. فقال يسوع: انه لقسوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية. ولكن، في بدء الخليقة، ذكراً وأنثى خلقهما الله، فلذلك يترك الرجل أباه وأمه …وكلاهما يصيران جسداً واحداً. ومن ثم هما ليس أثنين بعد، بل هما جسداً واحداً. فما جمعه الله لا يفرقه إنسان. وفي البيت سأله التلاميذ عن ذلك أيضاً. فقال لهم: من طلق امرأته وتزوج أخرى، فقد زنى عليها. وإن طلقت امرأة رجلها وتزوجت آخر فقد زنت" مر10/12.وفي لوقا نجد رفضاً للطلاق دون أي استثناء " فكل من طلق امرأته وتزوج أخرى فقد زنى، ومن تزوج امرأة طلقها زوجها فقد زنى" او16/18. والاستثناء الوحيد الذي يبدو أنه يجيز الطلاق في العهد الجديد نجده في إنجيل القديس متى في نصين: متى5/31-32 " لقد قيل: من طلق امرأته فليدفع إليها كتاب طلاق. أما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته –إلا في حالة الزنى – فقد عرضها للزنى، ومن تزوج مطلقة فقد زنى "مت19/9 " إني أقول لكم: من طلق امرأته – إلا في حالة الزنى – وتزوج أخرى، فقد زنى" يرى بعض المفسرين المعاصرين أن الاستثناء الوارد في إنجيل متى " إلا في حالة الزنى " لا يشير إلى الخيانة الزوجية في زواج شرعي قائم، بل إلى حالة زواج غير شرعي، أو إحدى الحالات المناقضة للناموس الواردة في احبار18/6-18. فيكون معنى قول المسيح أنه لا يحق للرجل أن يطلق زوجته،إلا إذا كان زواجه بها غير شرعي . كزواج الأخت...الخ راجع احبار18/6-18. أما في القرون الأولى ففسر معظم آباء الكنيسة هذه الجملة بقولهم:" انه يحق للرجل أن يطلق امرأته الزانية. ولكن من غير أن يباح لأي منهما بعقد زواج آخر، بل يسعيان إلى المصالحة حسب قول القديس بولس " أما المتزوجون فأوصيهم لاأنابل الرب: أن لا تفارق المرأة رجلها. وإن فارقته، فلتلبث غير متزوجة، أو فلتصالح رجلها؛ وأن لا يترك الرجل امرأته " 1كو7/10-11. فحتى في هذا النص لا نجد لفظة طلاق إن التفسير المتشدد للاستثناء الوارد في إنجيل القديس متى هو أكثر انسجاماً مع ما جاء به السيد المسيح من جديد بالنسبة إلى تفسيرات المعلمين اليهود الذين كانوا يحبذون الطلاق في حالة الزنى. ومع تأكيده إعادة الزواج إلى ما أراده الله في بدء الخليقة، إذ إن موسى لم يسمح بالطلاق إلالقسوة قلوب الأقدمين. ونحن نؤيد الرأي الذي قال به بعض المفسرين المعاصرين وهو أن الاستثناء الوارد في متى يشير إلى زواج غير شرعي. فالكلمة اليونانية المستخدمة في نصي متى porneia تترجم بالفحشاء. أما الزنى فيعبر عنه بلفظة أخرى هي moicheia وهذه الكلمة استخدمها يسوع عندما قال :" من طلق امرأته عرضها للزنى ومن تزوج من مطلقة فقد زنى" مت 5/32 . وكذلك " من طلق امرأته… وتزوج غيرها فقد زنى " مت19/9. ففي الحالتين يستخدم الفعل المقتبس من الاسم porneia إذا هناك فرق واضح بين الفحشاء والزنى. وما يستثنيه يسوع إذا ليس الزنى -وهو فعل- بل الفحشاء. وهي حالة أكثر منها فعلاً. والفحشاء هي زواج غير شرعي، بسبب محرمات جنسية تعود إلى القرابة. وهي ترد في سفر الأحبار 18/6-18 منها الزواج بالأم أو زوجة الأب أو الأخت أو ابنة الأب أو ابنة الأم أو بنت الابن والابنة أو العمة أو الخالة أو زوجة العم. ويختم النص بقوله:" هن ذوات قرابتك إنها فحشاء". نقرأ أيضا تأكيداً لذلك" لقد شاع خبر ما يجري عندكم من فاحشة(πορνειας) ومثل هذه الفاحشة لا يوجد حتى عند الوثنيين، فإن رجلاً منكم يخالط امرأة أبيه"(1كور5:1)
أما الزنى فهو إقامة علاقة جنسية من قبل طرف متزوج مع طرف آخر غير زوجه الشرعي. بالتالي فالترجمة الصحيحة لنصي القديس متى كما نقرأها في الترجمة الكاثوليكية الصحيحة والتي يستخدم فيها الاسم porneia (بورنيا)، ولا يستخدم moichei(مويخا) تكون كالتاليمت5: 31_ 32)"وقد قيل من طلق امرأته، فليعطها كتاب طلاق، أما أنا فأقول لكم: من طلق امرأته إلا في حالة الفحشاء عرضها للزنى، ومن تزوج مطلقة فقد زنى" وفي متى 19: 9)"أما أنا فأقول لكم: من طلق امرأته إلا للفحشاء وتزوج غيرها فقد زنى" وفيما يلي النص بالضبط كما جاء في لغته اليونانية الأصلية حسب إنجيل القديس مت5: 32 ونلاحظ استخدامπορνειας= والتي تنطق بورنياس وترجمته الدقيقة بمعنى الفحشاء.
. 32 έ^/ώ dε λεγω ϋμΪν ότι παS οαπολυων την γυναίκα αυτόυ παρίκταζ λόγου πορνειας ποΐ€Ϊ αυτην μοιχευβήναι, και oς εαν απολελυμενην γαμηση μοιχατα ι .
2. تعليم الآباء والتقليد الكنسي
أ- القديس غرغوريوس الثاولوغوس(+389): "إن شريعتنا تحرم الطلاق قطعاً وإن كانت الشرائع المدنية تحكم بخلاف ذلك..إن الشريعة الموسوية تسمح بالطلاق لكل علة. أما المسيح فلا. .."
ب- يوحنا الذهبي الفم(+470)فكما أن العبيد لا يزالون مكبلين بسلاسل العبودية وإن هجروا بيت سيدهم كذلك النساء وإن تركن أزواجهن التي تلزمنهن وتحكم عليهن بالزنى. وهذه الشريعة تلزم أيضاً الرجل...فلا تذكروا لي الشرائع التي وضعها الوثنيون والتي تقول أنما يعطى كتاب طلاق للمرأة وتطلق".
1. العقل والمنطق:
لا بد من القول أن عدم انفصام الزواج هو من مقومات الحب وجوهره، فالزواج ليس عقداً فقط، بل هو عطاء متبادل بين شخصين، يكمل أحدهما الأخر ليصبحا إنساناً واحداً بالنفس والجسد. إنه عطاء كلي يهب فيه كل من الزوج زوجه أغلى ما عنده مما يفترض عدم الرجوع عن هذه الهبة وألا كان هذا العطاء كاذباً. فهل يعقل أن يقول الرجل لامرأته في بدء الزواج أعطيكٍ كل شيء نفسي وجسدي ثم يعود عن قوله بعد ذلك؟إذاً يكون قد خان العهد الأول أيما خيانة ومن ثم يصبح هذا الشخص خائناً! فأي كنيسة هذه التي تجعل من بنيها خونة؟ أهلّ يعقل أن يقول الأب لأبنه لست أبني بعد الآن؟ أن الولد هو ابن للأبد؟ وكذا المرأة لا يمكن أن ينكرها زوجها لأنها أصبحت جزأ منه لا يتجزأ، بل لا فالوحدة بين الرجل والمرأة أقوى مما هي بين الرجل وأبنه في أن الأولى تنتج من اختيار حر واع وفريد وملتزم
خلاصة الكلام:
تأخذ الكنيسة سلطتها وتعاليمها وقوانينها من الكتاب المقدس ولا يمكنها أن تزيد أو تنقص على ما جاء في الكتاب المقدس، فهو الكلام الإلهي، دستور الكنيسة، وإن خالفت ذلك خالفت الله ذاته بالتالي تكون الكنيسة بشرية غير إلهية ومن الواضح من الشريعة الإلهية أي الكتاب المقدس كلام الله أنه لا يوجد أبداً البتة ما يجيز الطلاق لأي سبب كان ما عدا الفحشاء والتي وضحنا معناها وما عدى الفحشاء حتى وإن كان الزنى وغيره من الأمور الأخرى لا يكون سبب للطلاق، فما جمعه الله لا يكون لأي مخلوق سلطان فسخه أو حله فهو عهد بين الزوجين على مثال علاقة المسيح بالكنيسة فكما انه لا يمكن أن يتخلى المسيح عن كنيسته فعهده بالكنيسة أبدي كذلك الوثاق أو العهد بين الرجل والمرأة أبدي إذ يمثل علامة المسيح المنظورة بالكنيسة والعهد يختلف عن العقد في أن الأول لا يمكن حله والثاني يمكن حله.
كما لا بمكن مطلقاً تأويل نصوص الكتاب المقدس وإلا تناقض الكتاب المقدس. كما أنه لو سمح المسيح بالطلاق لكذب نفسه، إذ كيف يستند المسيح له المجد على نص التكوين ليقول بالوحدة غير المنفصلة بين الزوجين، ويسمح بالطلاق فأن كانت التوراة تشجب الطلاق لأي سبب فبأولى حجة من جاء يتمم شريعة التوراة
الأب/ مجدي فوزي