البابا يوحنا بولس الثاني "المكرم" على طريق التطويب
قبل خمس سنوات بالضبط غادرنا الطيب الذكر البابا يوحنا بولس الثاني إلى الديـار الخالدة. وساعة الاحتفال بجناز الوداع علت من أفواه آلاف المشتركين الكلمة المشهورة Santo Subito أي: قديس حالا!.
والآن يبد وأن قضيّة إعلانه طوباويا ما هي الا مسألة وقت فلقد أعترفت الكنيسة علنا بعد وفاته بقداسة سيرته ونتيجة لهذا الاعتراف العلني لا يبقى على الكنيسة الاّ الإعتراف علنا أيضا بصحة الأعجوبة التي تمّت على يده أو بشفاعته.
فيمكن لـ Karol Wojtyla البولندي الأصل 1920-2005 قضى منها 26 سنة على عرش بطرس كنائب للمسيح على الأرض, أن يكون أوّل طوباوي في تاريخ الكنيسة الطويل, الّذي يعلن تطويبه بعد أقصر مدّة من وفاته.
نعم قبل خمس سنوات إهتزّ العالم لسماعه عن آلام هذا الرجل وصراعه مع الموت الأليم. فكان كل مساء من شهر آذار 2005 يلتقي آلاف المصلّين في ساحة الفاتيكان وتحت شباك مكتب البابا المصارع مع الموت للصلاة من أجله, إذ الجميع كان عالما أنه منذ كانون الثاني كان مرض الراجوفة قد تغلغل في جسمه وتملّك على حركاته التي أصبحت مؤلمة ووئيدة جدّا, هو الذي كان رياضيا محترفا في شبابه. هذا وقد أضطر لدخول المستشفى مرّتين مستعجلتين للعلاج.
الأسبوع المقدّس الآخير في حياته 20-3-2005
لقد تابع هذه السنة طقوس واحتفالات الآسبوع المقدّس, التي كان يترأسها هو شخصيا منذ سيامته كاهنا على شاشة تلفزيون نصبت له في معبده الصغير.
يوم عيد الفصح 20-3-2005 لملم قواه ووقف على الفيراندا المطلّة على ساحة الفاتيكان بالجماهير لمشاهدته ليمنحهم البركة الخاصة المعروفة بـUrbi et Orbi أي لمدينة روما وللعالم. لكن صوته إختنق في حلقه ولم يقدر أن يفه بكلمة وهو يرفع يده ويبارك الجماهير لآخر مرّة.
وبعدها بقليل أي يوم 2-4-2005 وقف وزير داخلية الفاتيكان, الكردينال Leonardo Sandri على نفس الشباك وأعلن للجماهير الخبر المفجع: في تمام الساعة التاسعة و37 دقيقة من هذا المساء فارق الأب الأقدس هذه الدنيا إلى الديار الخالدة! فكان ما كان من بكاء وعويل وترحّم... وصلاة من أجل راحة نفسه.
قليلون هم البابوات من قبله الذين بصموا تاريخ هذا العالم ببصمتهم الخاصة مثله أو هزّوه كما فعل. فهذا البابا الفريد والغريب, كما كانوا يقولون, لأنه أختير على كرسي بطرس من أصل غير إيطالي بعد أكثر من 400 سنة, أظهر شخصية نادرة استطاع بها رفع شأن الكنيسة والكثلكة فسلّط عليها أنظار العظماء بشكل ما كان متوقّعا. لذا كان الحزن وألألم لوفات هذا القائد الروحي الكبير بلا حدود.
إنه هو الذي أنعش فكرة الحوار مع باقي الديانات والسياسات العالمية. وللغاية نفسها قام بنفسه بأكبر وأبعد وأطول رحلات في تاريخ المسؤولين الدينيين ليربط علاقات جديدة ويشجّع الحوار والتقارب والتسامح , ونادى بوقف ونبذ الحروب والتدمير وتبد يل المواقف المعاد ية بمواقف ثقة بين الحكومات والشعوب للوصول الى سلام عادل ومساواة للحقوق بين جميع الأطراف.
هذا ولا ننسى أنه لولا مساهته الشخصيّة والقويّة لما كان انتهى عهد الشيوعية في أوروبا إلى اليوم, كما اعترف له أعداؤه بهذا الصدد.
ولقد عاشت روما أكبر عاصفة بشريّة في تاريخها عندما انتشر خبر وفاة هذه الشخصيّة التاريخيّة الفذّة فيها. فلقد قدم اليها أكثر من 4 ملايين زائر للاشتراك في جنّاز الوداع لهذا البابا النادر العظيم. كلهم مّروا صامتين -أكثرهم باكين- أمام التابوت الحاوي رفاته والمسجّى في كاتدرائية الفاتيكان, كنيسة القديس بطرس, وأكبر كنيسة في العالم.. وعند افتتاح صلاة الجناز على روحه الطاهرة كانت شخصيات عالمية جالسة أمام الهيكل, يعجز القلم واللسان عن ذكر أسمائها, وعلى رأسها رئيس الولايات المتحدة الى جانب رئيس دولة إيران, ورئيس دولة إسرائيل إلى جانب رؤساء دولتي سوريا والعراق...
ترأس القداس بالمناسبة خلفه والبابا الحالي بندكتس السادس عشر وكان وقتها يدعى Josef Ratzinger لكونه آنذاك رئيس مجمع الكرادلة والذي كان يدير بالوكالة أعمال الفاتيكان. ولقد نخرت كلماته التي قالها قلوب وآذان السامعين حيث رفع عينيه الى شباك سكن الراحل وقال: نحن على ثقة أن هذا البابا المحبوب يقف الآن على شباك البيت السماوي, يشاهدنا ويباركنا من فوق... فاعتلت وقتها الكلمات المشهورة من أفواه المئات والآلاف المؤلّفة: قديس حالا ... قديس حالا! كما ورفعت اليافطات تحمل نفس العبارة المخطوطة عليها.
نعم بندكتس لم يتوان بالموافقة والرد على هذا المطلب الجماهيري. ففي أول جلسة عمل رسمية مع المسؤولين في دولة الفاتيكان والتي ترأسها هو أمر بفتح قضيّة تطويب سلفه الراحل يوحنا بولس الثاني.
وبعد مضي سنتين فقط من المشاورات القانونية بين روما وبولندا, مسقط رأس البابا ومكان عمله للستة وعشرين سنة الآخيرة من حياته, تبعها سنتان لتفحص ما وجدت تلك اللجان في الارشيفات وما سمعت عن حياته.
وعام 2009 اعترف البابا بندكتس رسميا بقداسة سيرة سلفه, كما هو مطلوب في القانون الكنسي لاعلان التطويب. بكلمة أخرى أنه أعطى النور الأخضر أو ما يسمّى بلغة الكنيسة PLACEAT أي الموافقة من المسؤول الأول لإعلان الراحل طوباويا.
وهناك أخبار شائعة مفادها أن هذا الحدث سيتم يوم عيد جميع القديسين أي الأول من شهر نوفمبر2010 لكن هناك أيضا شائعة ثانية تقول أنه لقصر الوقت ولكثرة التحضيرات المهمة في مدينة روما وداخل الفاتيكان, فمن الممكن إرجاء هذا الحدث سنة أخرى إذ أن روما تنتظر من جديد هجوما بشريا لم يسبق له مثيل للاشتراك في هذه الحفلة وزيارة ضريح البابا يوحنا بولس الثاني.
يمكننا اليوم أن نقول: يا طوباوي يوحنا بولس - صلّي لاأجلنا.
وإن الله هو السميع المجيب.